رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)}.
في هذه الآيات: سجودُ المؤمنين عند سماعِ آياتِ القرآن تتلى عليهم فهم لا يستكبرون. وجفاءُ العلاقة بينهم وبين فرشهم فهم إلى قيام الليل يهرعون، ومما رزقهم الله ينفقون. فلا تعلم نفس ما هيأ لهم سبحانه من الكرامةِ والنعيم في الجنةِ جزاء بما كانوا يعملون.
فقوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ}.
قال النسفي: {إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} أي وعظوا بها {خَرُّوا سُجَّدًا} سجدوا لله تواضعًا وخشوعًا وشكرًا على ما رزقهم من الإسلام {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}: ونزهوا الله عما لا يليقُ به وأثنوا عليهِ حامدين له {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} عن الإيمان والسجود له).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: [إذا قرأ ابنُ آدمَ السَّجْدَةَ فسَجَدَ، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا وَيْلَهُ - وفي رواية يا ويلي! - أُمِرَ ابنُ آدمَ بالسّجود فسَجَدَ فله الجنة، وأُمِرْتُ بالسجود فأبيتُ فَلِيَ النَّارُ] (١). وفي رواية: (فَعَصَيْتُ فَلِي النَّارُ).
وقوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}. تتجافى: من الجفاء، والجفاء: النبو. أي: ترتفع جنوبهم وتتنحى عن الفرش ومضاجع النوم لانشغالهم بالصلاة. فشبه سبحانه العلاقة بينهم وبين فرشهم أنها علاقة جفاء لتعلق قلوبهم بصلاة الليل.
فعن مجاهد: ({تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} قال يقومون يصلون من الليل).
وقال ابن زيد: (هؤلاء المتهجدون لصلاة الليل). وقال الحسن: (قيام الليل).
وعن قتادة قال: (هو الصلاة بين العشاءين). وعن أنس قال: (هو انتظار صلاة العَتَمَةِ).
وقد أخرج أبو داود في السنن بإسناد صحيح عن أنس بن مالك في هذه الآية: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قال: [كانوا
(١) حديث صحيح. أخرجهُ مسلم (٨١)، كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة ح (١٣٣)، وانظر للرواية الأخرى الحديث بعده في الباب.