وفسّرها مجاهد بقوله:(كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل). قال ابن عباس:(حلّ هؤلاء محلّ من يتحسر عليهم).
والحسرة في لغة العرب: أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرًا. كما ذكر ابن عباس:{يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}: يا ويلًا على العباد). وقيل: الحسرة أشد من التلهف على الشيء الفائت. ورجل مُحَسَّرٌ أي مؤذى. ومنه قول ابن كثير في هذه الآية:(يا حسرتهم على أنفسهم وندامتهم يوم القيامة إذا عاينوا العذاب كيف ضيّعوا أمر الله تعالى وفرطوا في جنبه، ولكن لا تنفعهم إذ ذاك الحسرات فسوف يلقون العذاب الأليم لأنهم:{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أي يكذبونه ويسخرون منه ويجحدون ما أرسل به من الحق).
وذُكر عن أبي العالية أن العباد هاهنا الرسل، وذلك أن الكفار لما عاينوا العذاب قالوا:{يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} فتحسروا على قتلهم وترك الإيمان بهم. وروي عن الضحاك بأنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل. وقيل: هو من قول الرجل المؤمن الذي قتلوه. وقيل: من قول الرسل الثلاثة للقوم حين قتلوا الرجل، وقيل: هو من قول القوم لما قتلوا الرجل وفارقتهم الرسل. ذكرها القرطبي.
قلت: وخلاصة المعنى: (الحسرة والويل والندم حاصل لا محالة لكل من استهزأ بالحق وآثر عليه الحياة الدنيا وزينتها، وكذب الرسل وعظّم الشهوات، وضيَّع أوامر الله والحكم بمنهجه، فسوف يلقون غيًا).
أي: ألم يتعظ هؤلاء المشركون بمن أهلك الله قبلهم من المكذبين للرسل هل كان لهم رجعة إلى الدنيا أو كرّة.
و{كَمْ} في موضع نصب بـ {يَرَوْا} كما ذهب الفراء، محتجًا بقراءة لابن مسعود:{ألم يروا من أهلكنا}. وذكر وجهًا آخر للنصب -بوقوع {أَهْلَكْنَا} عليها- وكأن المعنى: ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون بالعذاب والاستئصال. وفتحت {أَنَّهُمْ} بوقوع {يَرَوْا} عليها. وروي عن الحسن قراءة أخرى بالكسر {إِنهم إلينا لا يرجعون} بكسر الهمزة على الاستئناف.
قلت: والآية ردٌّ على من زعم أن من الخلق من يرجع بعد موته قبل يوم القيامة. قال