التقدير: وقدرنا القمر منازل كما فعلنا بالشمس، وهي قراءة بعض قراء المدينة ومكة والبصرة وعامة قراء الكوفة. وقرأ بعض المكيين والمدنيين والبصريين بالضم {والقمرُ قدرناه منازل} عطفًا على الشمس، والتقدير ثانية: وآية لهم القمرُ قدرناه منازل، فالشمس والقمر آيتان عظيمتان.
والمعنى: وجعلنا القمر يسير في منازل يستدل بها على مُضِيّ الشهور والزمان، كما يعرف بالشمس تعاقب الليل من النهار، كما قال جل ذكره:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}. وكقوله:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}.
قال الحافظ ابن كثير:(فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفًا وشتاءً يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانَها بالنهار، فهي كوكب نهاري، وأما القمر فقدره منازل يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلًا قليل النور، ثم يزداد نورًا في الليلة الثانية، ويرتفع منزله، ثم كلما ارتفع ازداد ضياءً، وإن كان مقتبسًا من الشمس حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم، أي كعنق التمر اليابس المنحني).
وذكر الإمام القرطبي في التفسير أسماء هذه المنازل التي تعرفها العرب، قال:(والمنازل ثمانية وعشرون منزلًا، ينزل القمر كل ليلة منها بمنزل، وهي: الشَّرَطان. البطَيْن. الثريّا. الدَّبَران. الهَقْعَة. الهنعة. الذِّراع. النَّثرة. الطرْف. الجَبْهَة. الخراتان. إلصَّرْفة. العَوَّاء. السِّمَاك. الغَفْر. الزُّبَانيَان. الإكلِيل. القَلْب. الشَّوْلة. النَّعائِم. البَلدَّة. سَعْد الذّابح. سَعْد بُلع. سَعْد السَّعود. سَعْد الأخْبِية. الفَرْغ المُقَدَّم. الفَرْغ المؤخَّر. بطن الحوت. فإذا صار القمر في آخرها عاد إلى أولها فيقطع الفلك في ثمان وعشرين ليلة. ثم يستسر ثم يطلع هِلالًا، فيعود في قطع الفلك على المنازل، وهي منقسمة على البروج لكل برج منزلان وثلث فللحَمل الشَّرطَان والبُطين وثلث الثريا، وللثور ثلثا الثريا والدَّبران وثلثا الهَقْعة، ثم كذلك إلى سائرها).
وقد سمي القمر بالقمر لأنه يُقمر أي يبيَضُّ الجو ببياضه حين يسطع إلى أن يَسْتسِرّ.