للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابتدعَ، ومنه خَلْقُ الله الخلقَ ابتداعهم على غير مثال. فأراد المشركون أن يقولوا إن هذا إلا كذب وتخرص.

فعن ابن زيد: (في قوله: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} قالوا: إن هذا إلا كذب). وعن السُّدي: ({إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} اختلقه محمد - صلى الله عليه وسلم -). وعن قتادة: ({إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} إلا شيء تَخْلُقُه).

وقوله: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا}. فاستبعدوا تخصيص محمد - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة والقرآن والوحي أن ينزل عليه من بينهم كلهم وقد كانوا يقولون كما حكى الله عنهم في سورة الزخرف: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}. فهم يريدون الحق أن يمضي في أعرافهم وتقاليدهم فيقع وينزل إلى رؤسائهم وزعمائهم. فعن ابن عباس قال: (يعني بالعظيم: الوليدَ بنَ المغيرة القرشي أو حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. وبالقريتين: مكة والطائف). فأجابهم الله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}.

فقوله: {أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا} استفهام إنكار وعنى بالذكر القرآن، فقد كانت قلوبهم تغلي بالحسد على ما أوتي محمد من شرف النبوة. قال ابن جرير: (أأنزل على محمد الذكر من بيننا فخصّ به وليس بأشرف منا حسبًا). وقال القاسمي: (أي مع أن فينا مَنْ هو أثرى وأعلى رياسة).

ثم قال جل ثناؤه: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}. قال القرطبي: (أي من وحيي وهو القرآن. أي قد علموا أنك لمِ تزل صدوقًا فيما بينهم، وإنما شكوا فيما أنزلته عليك هل هو من عندي أم لا {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} أي إنما اغتروا بطول الإمهال ولو ذاقوا عذابي على الشرك لزال عنهم الشك ولما قالوا ذلك، ولكن لا ينفع الإيمان حينئذ). فهؤلاء المشركون ما زالوا على يقين بأن محمدًا صادق ولكنهم ما استطاعوا أن يُصَدِّقوا بأن الله يوحي إليه وبأنه يتلقى القرآن من لدن حكيم خبير، فإن الكبر أعماهم عن قبول ذلك، وبأنه لو كان حقًّا لكانوا هم أولى به، ولكنهم لم يذوقوا عقابَ الكبر بعد من الله، والكبر من أكبر الشرك، وإنما أمهلهم الله ولو عاجلهم بالعذاب لما نطقوا بهذا الهزل، ولكنهم إذا نزل بهم العذاب فلا ينفعهم حينئذ إيمان ولا إحسان ولا إسلام. ولمّا بمعنى لم وما زائدة.

قال الحافظ ابن كثير: (إنما يقولون هذا لأنهم ما ذاقوا عذاب الله ونقمته). قلت:

<<  <  ج: ص:  >  >>