للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس كيف قبلوا هذه الوجوه السخيفة. مع أن العقل والنقل يردها. وليس لهم في إثباتها شبهة فضلًا عن حجة.

قال القاسمي: وسبقه ابن حزم حيث قال: تأويل الآية على أنه قتل الخيل إذا اشتغل بها عن الصلاة، خرافة موضوعة مكذوبة سخيفة باردة. قد جمعت أفانين من القول، لأن فيها معاقبة خيل لا ذنب لها، والتمثيل بها. وإتلاف مال منتفع به بلا معنى. ونسبة تضييع الصلاة إلى نبي مرسل، ثم يعاقب الخيل على ذنبه لا على ذنبها).

قلت: والراجح عندي أنه استعرض الخيل لتبقى في حالة أُهبة واستعداد، وهي من أهم العتاد القتالي الذي يحمل عليه سليمان صلوات الله وسلامه عليه فيُغيرُ بها على أعدائه، ويقيم الحق ومنهج الوحي في الأرض، فلما استعرضها واشتدت أمامه في سرعتها ودقة جاهزيتها، حتى غابت في الأفق فلا ترى، قال ردّوها عليّ فأقبل يداعبها في سوقها وأعناقها يمسح بيده عليها إعجابًا بروعتها وشكرًا لله العظيم الذي خلقها وهيأها، وجعلها من أسباب النصر والقوة، وهي باقية على. هذا النعت إلى يوم القيامة، يستجلب عليها النصر بإذن الله سبحانه.

فقد أخرج الإمام أحمد في المسند عن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم: [أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم-] فقال: إني سئمت الخيل وألقيت السلاح ووضعت الحرب أوزارها، قلت لا قتال، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: الآن جاء القتال! لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يزيغ الله قلوب أقوام يقاتلونهم يرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة] (١).

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ}. إخبارٌ عن ابتلاء الله سليمان فابتلاه الله بجنيّ على شكل إنسان جلس على عرشه برهة فسُلب بذلك الملك، ثم رجع إليه سلطانه وأبّهته وملكه بإذن الله. وعن الحسن ومجاهد: (جسدًا: يعني شيطانًا). وعن ابن عباس: (قوله: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} قال: هو صخر الجنيّ تمثل على كرسيه جسدًا). وقيل اسمه آصف أو حبقيق أو آصر. وعن قتادة: {ثُمَّ أَنَابَ} وأقبل، يعني سليمان). وقيل كان ذلك الجني يشبه سليمان. وقيل: ثم أناب أي استغفر ورجع إلى الله منيبًا تائبًا. ويبدو أن أمرَ سحرٍ ابتلاه الله به ثم كشفه والله أعلم


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٤/ ١٠٤)، وانظر: السلسلة الصحيحة (١٩٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>