للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسبب ذلك، ولكنه بادر عليه الصلاة والسلام إلى الاستغفار ثم سأل الله الملك. قال النسفي: (وأما ما يروى من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيت سليمان عليه السلام فمن أباطيل اليهود: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} قال: قدّم الاستغفار على استيهاب الملك جريًا على عادة الأنبياء عليهم السلام والصالحين في تقديم الاستغفار على السؤال).

وقوله: {لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}. فقد كان سليمان عليه الصلاة والسلام مثالًا لطموح المؤمن في الدنيا والآخرة، فقد تعلق قلبه بحب أسباب القوة وما يقهر الباطل في الأرض وأهله، ويعز الحق وينصر جنده وأتباعه، ومن أمثلة هذا الطموح الثاقب عند سليمان عليه السلام ما أخرج البخاري ومسلم وأحمد والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: [قال سليمانُ بن داودَ: لأطوفنَّ الليلة على مئة امرأة، كُلُّهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم تحمل منهن إلا امرأةٌ واحدة، جاءت بشق إنسان، والذي نفسُ محمد بيده لو قال: إن شاء الله لم يَحْنَثْ، وكان دَرَكًا لحاجته] (١).

وفي رواية: [وايمُ الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون].

وعن قتادة: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} يقول: ملكًا لا أسلَبه كما سُلِبتُه). وقال ابن جرير: (قال سليمان راغبًا إلى ربه: ربّ استر عليّ ذنبي الذي أذنبت بيني وبينك فلا تعاقبني به {وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} لا يسلبنيه أحد كما سلبنيه قبل هذه الشيطان). وقال النسفي رحمه الله: (وإنما سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لا حسدًا وكان قبل ذلك لم يسخر له الريح والشياطين، فلما دعا بذلك سخرت له الريح والشياطين، ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات).

فلذلك فإن ما سأله سليمان محمول على أداء حقوق الله تعالى وسياسة ملكه، وترتيب منازل خلقه، وإقامة حدوده، والمحافظة على رسومه، وتعظيم شعائره، وظهور عبادته، ولزوم طاعته، ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه، وتحقيق الوعود


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٥٢٤٢)، ومسلم (١٦٥٤)، والنسائي (٧/ ٣١). وأخرجه أحمد (٢/ ٢٧٥)، وأبو يعلى (٦٢٤٤). وانظر صحيح مسلم (١٦٥٤) ح (٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>