هو الذي يقسم الرزق والخير وهو مدبرُ الأمر لو كانوا يدركونَ ويوقنون شأن أهل الإيمان. فإلى تفصيل ذلك:
قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}. يشبه آية البقرة:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[البقرة: ١٧٦]. ويشبه آية فاطر:{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ}[فاطر: ٣١]. فإن القرآن هو الحق نزل لينقذ الناس من ظلمات الهوى وتدلي الشهوات ليرفعهم اللَّه به في طريق الطاعات، وإشباع الغرائز بالسبل المشروعات المأجورات، لا في طرق الشياطين الساقطات، فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه وعمل لسعادة مستقبله ومن اختار الضلال فقد ضر نفسه وأسهم في شقائها يوم القيامةِ. وما أنت عليهم يا محمد بوكيل فما كان لك أن تجبرهم على الهدى فإنما عليكَ البلاغ واللَّهُ يتولى القلوب.
فقد أخرج ابن ماجة في السنن عن النواس بن سمعان قال: سمعتُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:[ما من قلب إلا بين إِصْبَعين من أصابع الرحمان إن شاء أقامهُ وإن شاء أزاغه. وكان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينكَ. قال: والميزانُ بيد الرحمان يَرْفَعُ أقوامًا ويَخْفِضُ آخرين إلى يوم القيامة](١).
ورواه أحمد ولفظه:[ما من قلبٍ إلا وهو بين أُصْبُعَين من أصابع رب العالمين إن شاء أن يقيمه أقامهُ وإن شاء أن يُزيغهُ أزاغه. وكان يقول: يا مقلب القلوب ثبِّتْ قلوبنا على دينك، والميزانُ بيدِ الرحمان عز وجل يخفضُهُ ويَرْفَعُه].
ثم روى نحوه من طريق عائشة قالت:[دعواتٌ كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يُكثِرُ أن يَدْعُوَ بها: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قالت: فقلت يا رسول اللَّه إنك تكثر تدعو بهذا الدعاء فقال: إن قلب الآدمي بين أصبُعين من أصابع اللَّه عز وجل فإذا شاء أزاغهُ وإذا شاء أقامهُ].
ثم ذكر رواية جامعة من طريق أم سلمة: أتُحدِّثُ أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، كان يكثر في دعائه أن يقول: اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قالت: قلت: يا رسول اللَّه!
(١) حديث صحيح. أخرجه ابن ماجة (١٩٩)، وأحمد (٤/ ١٨٢)، بسند صحيح. وانظر للروايات الأخرى مسند أحمد (٢/ ١٦٨)، (٦/ ٣١٥)، وجامع الترمذي (٢/ ٢٦٧)، وصحيح ابن حبان (٢٤١٩)، ومستدرك الحاكم (٤/ ٣٢١).