للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو إن القلوب لتتقلب؟ قال: نعم. ما خلق اللَّه من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أُصبَعين من أصابع اللَّه، فإن شاء اللَّه عز وجل أقامه وإن شاء اللَّه أزاغه، فنسأل اللَّه ربنا ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسألهُ أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب. قالت: قلت يا رسول اللَّه! ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: بلى قولي: اللهم رب محمد النبي اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مُضِلاتِ الفتن ما أحييتنا].

وقوله: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}. هو كقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: ٤٠]. أي فما جعلنا أمر القلوب بيدك تدخل الإيمان إليها إذا شئت، بل ذلكَ من أمر اللَّه لا يشاركه فيه أحد.

وقوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

أما قوله: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أي يقبضها عند فناءِ آجالها واستيفاءِ أعمارها. قال الشوكاني: (أي يقبضها عند حضور أجلها ويخرجها من الأبدان). وأما صفة القبض فهي كما قال سبحانهُ في سورة الواقعة: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة: ٨٣ - ٨٧].

وكما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [إذا خرجت روحُ العبد المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها -فذكر من ريح طيبها- ويقول أهل السماء: روح طيبة، جاءت من قبلِ الأرض، صلى اللَّه عليك، وعلى جسدٍ كنتِ تعمرينهُ، فينطلقُ به إلى ربه، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل، وإن الكافر إذا خرجت روحُه -فذكر من نتنها- ويقول أهل السماء: روحٌ خبيثة جاءت مِنْ قِبلِ الأرض، فيقالُ: انطلقوا بهِ إلى آخرِ الأجل] (١).

وفي مسند أحمد بسند حسن عن شداد بن أوس عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إذا حضرتم مَوْتاكم فأغمضوا البَصَرَ، فإن البصر يتبع الروح، وقولوا خيرًا، فإن الملائكةَ تُؤَمِّنْ على ما يقول أهل البيت] ورواهُ ابن ماجه والحاكم (٢).

وكذلكَ أخرج النسائي والحاكم عن أبي هريرة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إذا حُضِرَ


(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٨٧٢) - كتاب الجنة ونعيمها.
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد (٤/ ١٢٥)، وابن ماجه (١/ ٤٤٤)، والحاكم (١/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>