المؤمن، أتته ملائكةُ الرحمةِ بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضيةً مرضيًّا عنكِ، إلى روح وريحانٍ، وربٍّ غير غضبانَ، فيخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناولهُ بعضهم بعضًا، حتى يأتوا به باب السماء، فيقولون: ما أطيبَ هذا الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتونَ به أرواح المؤمنين، فلهم أشدُّ فرحًا به من أحدكم بغائبه يقدُم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوهُ فإنّه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذُهِبَ بهِ إلى أمِّهِ الهاويةِ، وإن الكافرَ إذا حُضِرَ أتَته ملائكة العذابِ بِمِسحٍ، فيقولون: اخرُجي ساخطةً مسخوطًا عليكِ، إلى عذاب اللَّه، فيخرجُ كأنتنِ ريحٍ جيفة، حتى يأتُوا بِها باب الأرض، فيقولون ما أنتنَ هذهِ الريح؟ حتى يأتوا بها أرواحَ الكفَّار] (١).
وأما قوله:{وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} ففيه أكثر من تأويل:
التأويل الأول: قيل يقبضها عن التصرف والتمييز مع بقاء الأرواح في أجسادها.
قال الزجاج:(لكل إنسان نفسان: أحدهما نفس التمييز وهي التي تفارقهُ إذا نامَ فلا يعقل، والأخرى نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس). وقال الفراء:(المعنى ويقبض التي لم تمت عند انقضاء أجلها. قال: وقد يكون توفيها نومها، فيكون التقدير على هذا: والتي لم تمت وفاتها نومها). قال ابن زيد (فالنومُ وفاة).
وقال القاسمي رحمه اللَّه:({اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} أي مفارقتها لأبدانها، بإبطال تصرفها فيها بالكلية، {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} أي ويتوفى التي لم يحن موتها في منامها، بإبطال تصرفها بالحواس الظاهرة {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} أي فلا يردها إلى بدنها إلى يوم القيامة {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: هو نوم آخر أو موت {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي فيما ذكر من التوفي على الوجهين {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} أي في كيفيةِ تعلقها بالأبدان وتوفيها عنها).
التأويل الثاني: قيل المعنى: أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف.
فعن سعيد بن جبير قال: (إن اللَّه يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء اللَّه أن تتعارف. قال: يجمعُ بين أرواحِ الأحياء وأرواحِ
(١) حديث صحيح. انظر صحيح سنن النسائي (١٧٢٩) ص (٣٩٥). ورواه الحاكم.