للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ}.

الخطاب لأهل الفرقة والاختلاف، ولأهل الكذب والافتراء، من نسبوا الولد والشريك للَّه، واستهزؤوا بشرعه ووحيه، فسيحشرهم أذلاء صاغرين في سجون جهنم جزاء وفاقًا، بما كانوا يمرحون في الأرض بغير الحق وبما كانوا يتجبرون، وقد علت وجوههم اليوم طبقة من السواد والغبرة والقترة.

فقد خرّج الإمام أحمد والترمذي عن عبد اللَّه بن عمرو قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثالَ الذر في صور الرجال. يغشاهم الذل من كل مكان. يُساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار. يُسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال]. وسنده صحيح (١).

وله شاهد عند ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولفظه: [إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذر في صورة الناس، يعلوهم كل شيء من الصَّغار، حتى يدخلوا سجنًا من النار في دار يقال له بولس من نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار ومن طينة الخبال].

وقوله: {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} جملة في محل نصب على الحال. وقال الأخفش: ({تَرَى} غير عامل في {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}، إنما هو مبتدأ وخبر). قال الشوكاني: (والأولى أنَّ "ترى" إن كانت من الرؤية البصرية، فجملة {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} حالية، وإن كانت قلبية، فهي في محل نصب على أنها المفعول الثاني لترى، قال: والاستفهام في قوله: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ} للتقرير).

وقال القاسمي رحمه اللَّه: ({وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} أي لما ينالهم من الشدة التي تغير ألوانهم. فالسواد حقيقي. أو لما يلحقهم من الكآبة، ويظهر عليهم من آثار الهيئات الظلمانية، ورسوخ الرذائل النفسانية في ذواتهم. فالسواد مجاز بالاستعارة).

وأما الكبر فقد عرّفه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديثه -الذي في المسند وسنن أبي داود ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة- حيث قال: [الكِبْرُ مَنْ بَطِرَ الحق، وغَمَطَ الناس] (٢).


(١) حديث حسن. أخرجه أحمد والترمذي. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٠٢٥).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد، وأبو داود (٤٠٩٢). انظر صحيح سنن أبي داود (٣٤٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>