للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

قال السدي: ({وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ} قالَ: بفضائلهم). وقال ابن زيد: (بأعمالهم. قال: والآخرون يحملون أوزارهم يوم القيامة {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: ٢٥]).

وقال القاسمي: (أي بفوزهم وفلاحهم لإتيانهم بأسباب الفوز، من الاعتقادات المبنية على الدلائل والأعمال الصالحة). وقال ابن كثير: (أي بما سبق لهم من السعادة والفوز عند اللَّه فتبيض وجوههم لا يمسهم السوء يوم القيامة ولا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع، مزحزحون عن كل شر، نائلون كلَّ خير).

وقد قرأها قراء المدينة وبعض قراء البصرة ومكة (بمفازَتِهم)، في حين قرأها قراء الكوفة (بمفازاتِهم) وكلاهما مشهور عند القراء. ويجوز أن تكون الباء في (بمفازتهم) للسببية: أي بسبب فوزهم مع انتفاء مساس السوء لهم وعدم وصول الحزن إلى قلوبهم لأنهم رضوا بثواب اللَّه وأمنوا من عقابه. حكاه الشوكاني.

وجملة القول: فإن اللَّه وعد الذين اتقوا الشرك والوقوع فيما يسخطه سبحانه بالنجاة يوم القيامة من الأهوال والفزع والمصائب والعذاب بما التمسوا أسباب الفوز والنصر والنجاة بأعمالهم وحرصهم على التقوى والعمل الصالح واجتناب الفواحش والآثام. فجملة {لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ} وجملة {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} كلاهما في محل نصب حال، أي هذه حالة المتقين يوم القيامة.

قال النسفي: ({لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ}: النار {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} كأنه قيل: وما مفازتهم؟ فقيل: لا يمسهم السوء، أي ينجيهم بنفي السوء والحزن عنهم). وقال ابن جرير: (ولا هم يحزنون على ما فاتهم من آراب الدنيا إذ صاروا إلى كرامة اللَّه ونعيم الجنان).

وقوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}. أي: فله الخلق والأمر سبحانه والتدبير، وهو الحفيظ على كل شيء وكيل، وهو تمهيد للآية التالية حيث يعيب عليهم سبحانه عبادة غيره، فإن الإقرار بالربوبية يقتضي الإقرار بالألوهية كما قال في سورة المؤمن: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٦١) ذَلِكُمُ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>