وغرفاتكم، فقد طابت في الدنيا أقوالكم وأعمالكم، وطابَ جهادكم وسعيكم، فطاب لأجل ذلك جزاؤكم. فتحركت ألسنتهم بحمد اللَّه العظيم، الذي صدقهم وعده الكريم، وأورثهم أرض الجنة أرض النعيم، ينعمون فيها ويتلذذون فنعم أجر العاملين، وأما الملائكة فهم محدقون حول العرش اليوم، يتابعون التسبيح والتعظيم، وقد قاموا بهذا الاستقبال الكريم، فرضي اللَّه عنهم وعن حسن استقبالهم وحسن عبادتهم، ولما فرغ اللَّه من القضاء بين خلقه لهجوا يذكره وقالوا الحمد للَّه رب العالمين. فإلى تفصيل ذلك:
قوله:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}. أي: نَفَخَ إسرافيل في القرن وهي النفخة الثانية نفخة الصعق، فإن النفخ في الصور ثلاثة أحوال:
الأولى: نفخة الفزع. وهي التي أشار اللَّه لها في سورة النمل بقوله: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ}.
الثانية: نفخة الصعق. وهي قوله في سورة الزمر في هذه الآية:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}. قال السدي:(أي مات).
الثالثة: نفخة القيام لربّ العالمين. وهي تتمة الآية السابقة:{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}.
فبنفخة الصعق يموت الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من استثنى اللَّه سبحانه، ثم يقبض اللَّه أرواح الباقين حتّى يكون آخر من يموت ملك الموت عليه السلام، فينفرد الحيّ القيوم جل ثناؤه بالديمومة والبقاء، فهو الذي كان أولًا وهو الباقي آخرًا، ثم يقول سبحانه: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ ثم يجيب نفسه بنفسه سبحانه فيقول:(للَّه الواحد القهار)، أنا الذي كنت وحدي وقد قهرت كل شيء، وحكمت بالفناء على كل شيء. ثم يحيى اللَّه أولَ من يحيى إسرافيل ويأمره بالنفخة الثالثة وهي نفخة البعث، فينفخ إسرافيل في الصور، كما قال سبحانه:{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}.
قال الحافظ ابن كثير:(أي أحياء بعد ما كانوا عظامًا ورفاتًا، صاروا أحياء ينظرون إلى أهوال يوم القيامة).
والآية كقوله في سورة النازعات: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ}. وكقوله