في هذه الآيات: يخبر سبحانه عباده عن أهوال يوم القيامة لعلهم يتقوه ويخافوه، وهذه الأهوال تبدأ بنفخة الفزع ثم نفخة الصعق فيصعق أهل السماوات والأرض إلا من شاء اللَّه، فيموت بها الأحياء منهم ثم يقبض أرواح من استثنى، وآخِر من يموت ملك الموت فينفردُ اللَّه الحي القيوم بالبقاء إذ لا يشاركه في الديمومة أحد، كما كان على ذلك أولًا فيقول جل في كبريائه:(لمن الملك اليوم) ثلاث مرات! ثم يجيب نفسه فيقول (للَّه الواحد القهار). فقد قهر بجبروته وعظمته كل شيء، ثم يحيى إسرافيل ويأمره بنفخة القيام فينفخ فيقوم الناس لرب العالمين. فإذا برز الرحمان لفصل القضاء بين خلقه أضاءت الأرض وأشرقت بعظيم نوره ويؤتى بكتاب الأعمال لبدء الحساب كما يُحضر النبيون للشهادة على الناس، ويكرم اللَّه أمة محمد بالشهادة انتصارًا للأنبياء وشهادة لهم بتبليغ الأمانة التي جحدها أقوامهم، فيقضي اللَّه بين الرسل وأممهم ويفصل بينهم بالحق ويقاضي كلًا بعمله وهو أعلم بما يفعلون. ثم تسوق الملائكة المجرمين والأشقياء إلى النار سوقًا عنيفًا ودفعًا غليظًا فإذا ما وصلوها فتحت أبوابها فتحًا سريعًا، ليباشروهم عقابًا أليمًا بما أشركوا باللَّه وضيعوا شرعه وحكموا بغيره واستهزؤوا برسله، وتقول لهم الملائكة تقريعًا وتوبيخًا: ألم يأتكم رسل من جنسكم بالحجج والبينات وَيُحذرونكم شرّ هذا اليوم وذل الخزي فيه؟ ! قالوا: نعم، ولكن كذبناهم وعاندناهم ليحق علينا الشقاء الذي كتبه اللَّه علينا بعلمه وعدله وحكمته واستحقاقنا له. قالوا: فادخلوا أبواب جهنم ماكثين فيها جزاء مكوثكم في الدنيا على الكبر والعناد والاستهزاء بالحق فبئس ما اخترتم لأنفسكم من الهلاك والشقاء. ثم أخبر سبحانه عن منازل السعداء، أهل الإيمان الأتقياء، حيث تحتفل الملائكة اليوم بتقديمهم، واستقبالهم في وفودهم، ليسيروا في مواكب من البهجة والأمن إلى دار الخلود والاستقرار، فلا نصب بعد اليوم ولا وصَب ولا استعصار، فقد اصطفوا جماعات جماعات، المقربين ثم الأبرار ثم أصحاب اليمين والصالحات، فإذا ما وصلوا دار الخلود والنعيم والمسرات، خرج الخزنة الكرام لاستقبالهم، وتلقتهم الملائكة المقربون بالبشارة والسلام عليهم، سلام عليكم طبتم في منازلكم وفي جنانكم، ماكثين في قصوركم