الثالث: قيل بل المراد المحفوظ. قال ابن عباس:(يريد اللوح المحفوظ).
قلت: والظاهر أنه قد أحضر ما هو مكتوب قد سُطِّرت فيه الأعمال ودقائق الأفعال وعلمه اللَّه وكتبه في اللوح المحفوظ من قبل، ليوزع اليوم على الثقلين كل يأخذ كتابه بيده التي تناسب النتيجة والفصل والعدل والقضاء.
وقوله:{وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ}. قال ابن جرير:(وجيء بالنبيين ليسألهم ربهم عما أجابتهم به أممهم وردت عليهم في الدنيا حين أتتهم رسالة اللَّه). وقال ابن كثير:(يشهدون على الأمم بأنهم بلغوا رسالات اللَّه إليهم).
وقوله:{وَالشُّهَدَاءِ}. فيه أكثر من تأويل:
الأول: قيل المراد أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- يشهدون للرسل أنهم قد بلغوا أقوامهم إذ جحدت أممهم أن يكونوا أبلغوهم رسالة اللَّه.
فعن ابن عباس:(قوله: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ} فإنهم ليشهدون للرسل بتبليغ الرسالة وبتكذيب الأمم إيّاهم). والآية كقوله في سورة البقرة:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
الثاني: قيل بل المراد الشهداء الذين قتلوا في سبيل اللَّه.
قال السدي:(الذين استشهدوا في طاعة اللَّه). وقال القاسمي:(وجوّز إرادة المستشهدين في سبيل اللَّه تعالى، تنويهًا بشأنهم، وترفيعًا لقدرهم، بضمهم إلى النبيين في الموقف). وقال الشوكاني:(وقيل المراد بالشهداء الذين استشهدوا في سبيل اللَّه، فيشهدون يوم القيامة لمن ذبّ عن دين اللَّه).
الثالث: قيل بل المراد الحفظة من الملائكة.
قال ابن زيد:(هم الحفظة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم). وقال القرطبي:(قال اللَّه تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} فالسائق يسوقها إلى الحساب والشهيد يشهد عليها، وهو الملك الموكل بالإنسان).
الرابع: قيل بل المراد الأبرار في كل زمان ليحتجوا أمام اللَّه على أهل ذلك الزمان. قال النسفي:(وقيل هم الأبرار في كل زمان يشهدون على أهل ذلك الزمان). وذكره القاسمي بقوله:(أي الذين يشهدون للأمم وعليهم من الحفظة والأخيار المطلعين على أحوالهم).