للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والبيان الإلهي يحتمل كل هذه المعاني الجليلة من اشتمال الشهداء على أمة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- أمة الوسط، والأبرار في كل زمان، وأتباع الرسل، ومن قتلوا في الذبّ عن دين اللَّه العظيم، ومِنْ حضور الملائكة المختصين بالشهادة لتقام الحجة على الناس في الآخرة كما أقيمت عليهم في الدنيا، وإن كان الأول هو الراجح:

ففي مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وابن ماجة بسند صحيح عن أبي سعيد عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرَّجل، والنبيّ ومعه الرجلان، والنبيّ ومعه الثلاثة، وأكثر من ذلك، فيُقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيُدعى قومهُ، فَيقال لهم: هل بلّغكم هذا؟ فيقولون: لا، فَيُقَال له: من يشهدُ لكَ؟ فيقول: محمدٌ وأمته، فيُدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما عِلْمكم بذلك؟ فيقولون: جاءنا نَبينا، فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه، فذلك قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}] (١).

وفي صحيح الإمام البخاري ومسند أحمد وجامع الترمذي له لفظ آخر عن أبي سعيد به: [يجيء نوح وأمته فيقول اللَّه: هل بلغت؟ فيقول: نعم أي ربِّ! فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاء لنا من نبي، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، وهو قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}، والوسط: العدل، فيُدعونَ، فيشهدون له بالبلاغ، ثم أشهد عليكم] (٢).

وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ}.أي: بالعدل والقسط والصدق. {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}. قال القاسمي: (أي فتوزن أعمالهم بميزان العدل، ويوفون جزاء أعمالهم، لا ينقص منها شيء).

قلت: والمراد القضاء بين النبيين وأممهم، وفصل الخطاب، وإقامة الحجج، وتثبيت الحقوق، ودحض الشبه والأكاذيب والأباطيل، وتعيين المستحقات بدقة وإنصاف، فلا يحمل على أحد ذنب غيره ولا تجزى نفس ولا تعاقب إلا بما اجترحت واكتسبت.


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٣/ ٥٨)، والنسائي في "الكبرى" (١١٠٠٧).
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٧٣٤٩)، والترمذي بإثر (٢٩٦١)، وابن ماجة (٤٢٨٤)، وأحمد (٣/ ٥٨)، وابن حبان (٧٢١٦)، والطبري (٢١٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>