وقوله:{وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ}. أي: من خير أو شر، ومن صغير أو كبير. {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}. أي: فلا تخفى عليه من أعمالهم خافية، فهو الذي يعلم السر وأخفى، وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو الذي معهم إذ كانوا يبيتون ما لا يرضى من القول، ويأمرون بالمنكر والفاحشة في الأرض، كما كان مع المؤمنين وهم يحترقون شوقًا للقائه ويبذلون أوقاتهم في رضوانه، وفي الاستعداد للجهاد والموت في سبيله.
وقوله:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا}.أي: جماعة جماعة، وطائفة طائفة، وحزبًا حزبًا، كل حسب انتمائه وصِلاته بأصناف الباطل والهوى وأنواع الغي والضلال. فإن {زُمَرًا} في محل نصب حال.
فعن قتادة في قوله:{زُمَرًا} قال: (جماعات). وقال أبو عبيدة:(زمرًا: جماعات متفرقة بعضها إثر بعض).
قال الشوكاني:(وهو مشتق من الزمر، وهو الصوت، إذ الجماعة لا تخلو عنه). وقال القاسمي:(أي أفواجًا متفرقة، بعضها في أثر بعض، على تفاوت ضلالهم وغيهم، رعاية للعدل في التقديم والتأخير).
وقال النسفي:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ} سوقًا عنيفًا، كما يفعل بالأسارى والخارجين على السلطان إذا سيقوا إلى حبس أو قتل). وقال القاسمي:(وقيل: دفعًا وزجرًا بصوت كصوت المزمار).
وقوله:{حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}. وهي سبعة أبواب كما قال سبحانه في سورة الحجر: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}. وجملة (فتحت) جواب (إذا)، إذ إن كل قوم يدخلون من الباب المناسب لأعمالهم ولتوجههم ولما كانوا يخضعون من دون اللَّه من الطواغيت والشهوات والأهواء ومُغريات الحياة الدنيا. قال الحافظ ابن كثير:(وبمجرد وصولهم لها فتحت أبوابها سريعًا لتعجل لهم العقوبة).
وقوله:{وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}. أي: تقريعًا لهم وتوبيخًا وزيادة في الحسرة والألم. {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ}: مما أنزل اللَّه على الأنبياء والرسل من الكتب والعلم {وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} بالحجج والبراهين ويحذرونكم شرّ هذا الموقف اليوم؟ ! {قَالُوا بَلَى} فأقروا والحسرة تأكل قلوبهم. {وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ