عَلَى الْكَافِرِينَ}. أي: فمضى عليهم قضاء اللَّه وكتابته بأن الخزي اليوم والسوء على الكافرين، إذْ قد علم سبحانه الأعمال كلها وكتبها كتابة علم وعدل لا كتابة ظلم وجبر فتبارك اللَّه أحكم الحاكمين.
والآية كقوله سبحانه في سورة السجدة: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}. ثم ذكر سبحانه سبب ما صاروا إليه من الشقاء الذي كتبه اللَّه عليهم لعلمه بفساد نياتهم وتوجههم:{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}. وكقوله في سورة "المؤمنون": {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ}. وكذلك في سورة تبارك:{قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ}.
وفي الصحيحين عن علي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة. قالوا: يا رسول اللَّه أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل الشقاوة ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: ٥ - ١٠]] (١).
وقوله تعالى:{قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}. هو كقوله جل ثناؤه في سورة النبأ: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (٢١) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (٢٢) لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}. وكقوله في سورة البينة:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}. قال وهب:(تستقبلهم الزبانية بمقامع من نار فيدفعونهم بمقامعهم، فإنه ليقع في الدفعة الواحدة إلى النار بعدد ربيعة ومضر). فهذا مآل الكبر واتباع الهوى فهل أجداكم أو نفعكم عند اللَّه شيئًا، أم هو الذي صيّركم إلى ما أنتم فيه من الشقاء.
ثم وصف سبحانه حال السعداء الأبرار، أهل النجاة والفوز الأخيار، لتستكمل صورة المشهد في ذلك اليوم الرهيب.
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٩٤٨)، ومسلم (٦٤٧) ح (٦)، ورواه أبو داود (٤٦٩٤)، والترمذي (٢١٣٦)، (٣٣٤٤)، والنسائي في "التفسير" (٦٩٨)، وابن ماجة (٧٨).