فإنهم إذا دخلوا الجنة حمدوا اللَّه الذي أذهب عنهم الهَمَّ والغَمَّ وأبدلهم بالحزن والضيق فرجًا ومخرجًا، كما قال سبحانه فى سورة فاطر: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}. وكقوله في سورة الأعراف:{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.فيحمدون اللَّه عند دخولهم الجنة لما شاهدوا حسن الاستقبال وعاينوا جميل التكريم ورؤية وجه اللَّه العظيم.
ففي صحيح الإمام مسلم عن صهيب عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:[إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول اللَّه تعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخِلْنا الجنة، وتنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربِّهم](١).
وأما قوله {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} ففيه أكثر من تأويل:
الأول: قيل المراد أرض الجنة. فعن قتادة:(قوله {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} قال: أرض الجنة). وكذلك قال ابن زيد وقرأ {أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}[الأنبياء: ١٠٥]. وقال القاسمي:(أي أرض الآخرة شبه نيلهم بأعمالهم لها، بإرثهم من آبائهم. فكأن الأعمال آباؤهم). وقال النسفي:(أرض الجنة وقد أورثوها أي ملكوها وجعلوا ملوكها. قال: تشبيهًا بحال الوارث).
الثاني: قيل بل المراد الأرض التي كانت تكون لأهل النار لو كانوا مؤمنين.
فقد ذكر ذلك أبو العالية وقتادة والسدي. قال ابن جرير:(وجعل أرض الجنة التي كانت لأهل النار لو كانوا أطاعوا اللَّه في الدنيا فدخلوها ميراثًا لنا عنهم).
الثالث: قيل بل هو على التقديم والتأخير والمراد أرض الدنيا. ذكره القرطبي.
قلت: والبيان الإلهي يحتمل هذه اللطائف البديعة، والتفاسير الرفيعة، فالحمد للَّه الذي مَكَّنَنَا في الأرض وخذل عدوّ الحق وأورث الأرض للمؤمنين يحكمون بشرع اللَّه العظيم، ثم كافأهم في قبورهم بأن أراهم مقاعدهم من الجنة وأورثهم مقاعد غيرهم
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح -حديث رقم- (١٨١) - كتاب الإيمان.