في هذه الآيات: إنه ما إن جهر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بدعوته ممتثلًا بذلك أمر ربه عز وجل، حتى اتجهت الأنظار إليه وتحركت قوى الشر من قريش نحوه، ممثلة برؤوس الكفر وأئمة الطغيان. وفي هذه الأثناء نزلت أوائل سورة فصلت لتقرع ببيانها الساحر عقول طغاة مكة وقلوبهم وآذانهم التي ما انفتحت بعد لقبول منهج الإيمان.
أخرج ابن إسحاق في المغازي بسند حسن قال: (حُدِّثْتُ أن عتبة بن ربيعة وكان سيدًا، قال يومًا وهو جالس في نادي قريش، ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش! ألا أقومُ إلى محمد فأكَلِّمُهُ وأعرضُ عليه أمورًا لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيّها شاء ويكفُّ عنا؟ فقالوا: بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النَسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكَفَّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رَئِيًّا تراه لا تستطيع ردّه عن نفسك، طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا