حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى منه. فلما فرغ من قوله تلا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صدر سورة السجدة) (١).
وفي رواية في مسند عبد بن حميد ومصنف ابن أبي شيبة عن جابر: (أن عتبة قال له: "فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرًا، وأن في قريش كاهنًا، واللَّه ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى. أيها الرجل: إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلًا واحدًا، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا".
حتى إذا فرغ عتبة ورسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يستمع منه قال: أفرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاستمع مني. قال: أفعل. قال:" {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (٤) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} ".
ثم مضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى السجدة منها فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك).
وفي رواية: (فلما بلغ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم. فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نَحلف باللَّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: "ورائي أني سمعت قولًا واللَّه ما سمعت مثله قط، واللَّه ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي خَلُّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فواللَّه ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزّكم
(١) أخرجه ابن هشام في السيرة (١/ ٢٩٣ - ٢٩٤)، وله شاهد عند أبي يعلى والحاكم بسند يرقى للحسن. انظر كتابي: السيرة النبوية (١/ ٢٠٥ - ٢٠٦).