في هذه الآيات: إثباتُ الخلق كله للَّه، والمصائب عقوبات للمذنبين من اللَّه، والجميع تحت حكمه سبحانه، ويريهم آياته في البر والبحر ليعلموا أنه الحق وأن ما يجادلون فيه هو الباطل، ولا نجاة ولا مفر للمشركين إذا نزل العذاب وجاء أمر اللَّه.
فقوله:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ}. قال مجاهد:(الناس والملائكة). قلت: بل يشمل ذلك الملائكة والجن والإنس وسائر الحيوانات على اختلاف ألوانهم وأشكالهم ولغاتهم وطبائعهم وتوزعهم في أرجاء السموات والأرض. فَخَلْقُ جميع ذلك يدل أنه تعالى القادر على إحيائكم -أيها الناس- بعد فنائكم.
وقوله:{وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}. قال ابن جرير:(فكذلك هو القادر على جمع خلقه بحشر يوم القيامة بعد تفرق أوصالهم في القبور).
وقوله:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}. قال ابن عباس:(يعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم ولا يؤاخذون بها في الآخرة).
وقال قتادة:(ذكر لنا أن نبي اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول: لا يُصيب ابنَ آدمَ خَدْشُ عُودٍ، ولا عَثْرَةُ قَدَم، ولا اختِلاجُ عِرْقٍ إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر).
قلت: والذي ذكر قتادة جاء نحوه بإسناد صحيح. فقد أخرج الطبراني في "المعجم الصغير" بسند حسن عن البراء بن عازب مرفوعًا: [ما اخْتَلَجَ عرْقٌ ولا عَيْنٌ إلا بذَنْبٍ، وما يدفَعُ اللَّه أكثر](١).
وقوله:{وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ}. أي حيثما كنتم فإنكم في سلطانه وقبضته تعالى. وقوله:{وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}. أي ما لكم من دونه سبحانه متول بالرحمة ولا ناصر يدفع عنكم عذابه إذا نزل بكم، فاحذروا أيها الناس سخطه.
(١) حديث حسن. رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (١٠٥٣)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (٢/ ٢٤٧). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٢١٥).