للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ}. بيان لبعض مقامات الوحي بالنسبة لجناب اللَّه عز وجل.

فإن أقسام الوحي كما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة كما يأتي:

القسم الأول: الرؤيا الصادقة في النوم.

فقد كانت بداية الوحي كذلك، فكانت البشائر ترد على نفس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أثناء نومه، لتجيء الرؤيا كما رآها مثل فلق الصبح.

فقد خرّج البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها أنها قالت: [أوّلُ ما بُدئَ به رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الوحْي الرؤيا الصالحةُ في النَّوْم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مِثْلَ فَلَقِ الصُّبح] (١).

القسم الثاني: هو ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه عليه الصلاة والسلام دون أن يراه. فإن اللَّه تبارك وتعالى تارة يقذف في رُوع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- شيئًا لا يُتَمارى فيه أنه من اللَّه عز وجل.

فقد أخرج أبو نعيم في "الحلية" بسند حسن عن أبي أمامة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ رُوحَ القدس نفثَ في رُوعي، أنّ نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتقوا اللَّه وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدَكم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية اللَّه، فإن اللَّه تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته] (٢).

القسم الثالث: هو تمثّل الملك رجلًا يخاطب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى يعي عنه ما يقول له. وهذا القسم قد تكرر حتى رآه بعض الصحابة عيانًا، وسمعوا منه أمام النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- كما في حديث جبريل الذي هو في الصحيح وبعض السنن.

ففي صحيح مسلم عن عمر قال: [بَيْنَا نحن عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد. . . .] (٣). وفي لفظ ابن ماجة من حديث أبي هريرة: [كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يومًا بارزًا للناس فأتاه رجل. وفيه قال عمر: فلقيني النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بعد ثلاث فقال: أتدري من الرجل؟


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣) - كتاب بدء الوحي، في أول حديث طويل.
(٢) حديث صحيح. انظر تخريج: "مشكاة المصابيح" (١٥)، وصحيح الجامع الصغير (٢٠٨١).
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (٨) - (٩) كتاب الإيمان، وصحيح ابن ماجة (٥٣ - ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>