أي: أفانت تسمع -يا محمد- من قد أصمه اللَّه عن استماع حججه، أو تهدي من قد أعمى اللَّه قلبه عن إبصار سبيله سبيل الحق والنجاة والسعادة أو تهدي من كان في جور عن سبيل الرشاد. والآية تسلية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يلقاه من عناد قومه وإصرارهم على كفر الجاهلية.
وقوله تعالى:{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ}. أي: ولو ذهبت أنت فلا بد الانتقام نازل بهم. قال السدي:(كما انتقمنا من الأمم الماضية). وقال النسفي:({فَإِمَّا} دخلت ما على إن توكيدًا للشرط، وكذا النون الثقيلة في {نَذْهَبَنَّ بِكَ} أي نتوفينك قبل أن ننصرك عليهم ونشفي صدور المؤمنين منهم {فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} أشد الانتقام في الآخرة).
وقوله تعالى:{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ}. قال السدي:(فقد أراه اللَّه ذلك وأظهره عليه). قال ابن كثير:(أي: نحن قادرون على هذا وعلى هذا. ولم يقبض اللَّه رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أقرَّ عينه من أعدائه، وحَكَّمَهُ في نواصيهم، ومَلَّكَهُ ما تضمَّنته صياصيهم -أي حصونهم-).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي بردة عن أبيه مرفوعًا:[النُّجومُ أَمَنَةٌ للسَّماء، فإذا ذَهَبَتِ النجوم أتى السماءَ ما تُوعَدُ، وأنا أَمَنَةٌ لأصحابي، فإذا ذهبْتُ أنا أتى أصحابي ما يُوعَدُون، وأصحابي أمَنَةٌ لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعدون](١).
وقوله تعالى:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. قال قتادة:(أي الإسلام). قال القرطبي:({فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} يريد القرآن، وإن كذب به من كذب، فـ {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} يوصّلك إلى اللَّه ورضاه).
وقوله:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}. قال ابن عباس:(يقول: إن القرآن شرف لك). قال ابن زيد:(أو لم تكن النبوة والقرآن الذي أنزل على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكرًا له ولقومه).
والمقصود: إن هذا القرآن شرف لك -يا محمد- ولقومك من قريش، فإنه نزل
(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٥٣١) - كتاب فضائل الصحابة. باب بيان أن بقاء النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة. وأخرجه أحمد (٤/ ٣٩٨ - ٣٩٩)، وأبو يعلى (٧٢٧٦).