إن ضريبة الابتعاد عن منهج اللَّه وشرعه قاسية ومؤلمة، فلا يظن ظانٌّ أنه يمكن أن يسعد ببعده عن رضوان ربه عز وجل، بل هو غرور زائل، وضوء آفل، وسناد مائل، يدعمه إبليس وأعوانه بعض الشيء بتسليط اللَّه لهم، إلى أن يأتي حين العذاب ونزول الفضائح والآلام.
فقد ذكر الشياطين سبحانه بلفظ الجمع بقوله:{لَيَصُدُّونَهُمْ} لأن "وَمَنْ" في قوله: {وَمَنْ يَعْشُ} في معنى الجمع.
قال ابن جرير:(-أي-: وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الذين يعشون عن ذكر اللَّه، عن سبيل الحق، فيزيّنون لهم الضلالة، ويكرّهون إليهم الإيمان باللَّه، والعمل بطاعته {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} يقول: ويظن المشركون باللَّه بتحسين الشياطين لهم ما هم عليه من الضلالة، أنهم على الحق والصواب).
أشار سبحانه إلى لحظة العذاب بقوله:{حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} أي الكافر يوم القيامة، وهذا على قراءة قراء الكوفة والبصرة، وهي قراءة حفص وأبي عمرو، وأما على قراءة قراء الحجاز فهي {جاءانا} أي هو وقرينه. وقد جُعلا في سلسلة واحدة، فيقول الكافر:{يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف، كما قال جل ذكره:{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}. وقيل: بعد المشرق والمغرب. قال القرطبي:({فَبِئْسَ الْقَرِينُ} هو أي فبئس الصاحب أنت، لأنه يورده إلى النار. قال أبو سعيد الخدري: إذا بُعِثَ الكافِر زوّج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار).
أي: فأنتما مشتركان في العذاب. قال مقاتل:(لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم، لأن قرناءكم وأنتم في العذاب مشتركون، كما اشتركتم في الكفر).
فإن اللَّه سبحانه يعطي فرصًا للذكرى في هذه الحياة، فمن أخذها أخذ بحظ وافر حسن، ومن أهملها سلط عليه سبحانه شيطانًا يوجه حركته، ويوحي إلى فكره وعقله، ويوسوس في قلبه ألوانًا من الفواحش والموبقات والكبائر والعقوق والشرك باللَّه، وغير ذلك مما يسخط اللَّه سبحانه، ويوعد عليه في الآخرة نيرانه.