وقوله: {قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}. أي: فذوقوا إذن جزاء كفركم وجحودكم.
وقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}. قال عطاء الخراساني: (نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد -صلى اللَّه عليه وسلم-). وقال ابن زيد: (كل الرسل كانوا أولي عزم لم يتخذ اللَّه رسولًا إلا كان ذا عزم، فاصبر كما صبروا).
قلت: والمشهور الأول، وهو أن أولي العزم من الرسل: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وخاتم الأنبياء محمد صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين. وقد ورد تخصيصهم بالذكر مرتين في القرآن، مرة في سورة الأحزاب، ومرة في سورة الشورى: قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: ٧].
وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: ١٣].
قال ابن كثير: (وقد يحتمل أن يكونَ المرادُ بأولي العزم جميع الرسل، وتكون "مِنْ" في قوله: {مِنَ الرُّسُلِ} لبيان الجنس، واللَّه أعلم).
وقوله: {وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ}. قال مقاتل: (بالدعاء عليهم). وقيل: فى إحلال العذاب بهم، فإن أبعد غاياتهم يوم القيامة. كقوله تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: ١١]. وكقوله تعالى: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق: ١٧].
وقوله: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ}. قال يحيى: (من العذاب). وقال النقاش: (من الآخرة).
وقوله: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ}. أي في الدنيا حتى جاءهم العذاب.
وقال النقاش: (في قبووهم حتى بعثوا للحساب). وقيل: نسّاهم هول ما عاينوا من العذاب طول لبثهم في الدنيا.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: ٤٦].
٢ - وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس: ٤٥].