للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه سمع الحارثَ بن ضِرار (١) الخُزاعي يقول: [قدِمْتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدعاني إلى الإسلام، فَدَخلتُ فيه وأقررتُ به. ودعاني إلى الزكاة فأقررتُ بها، وقلت: يا رسولَ اللَّه، أرجِعُ إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداءِ الزكاة، فمن استجاب لي جمعتُ زكاتَه. ويُرسِلُ إليَّ رسولُ اللَّه رسولًا لإِبَّان كذا وكذا لِيأتِيَكَ ما جمعتُ من الزكاة. فلما جمعَ الحارثُ الزكاةَ ممن استجاب له، وبلغ الإبَّانُ الذي أراد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يبعثَ إليهِ، احتبسَ عليه الرسول فلم يأتِه، فظن الحارِثُ أنه قد حدثَ فيه سَخْطَةٌ من اللَّه ورسوله، فدعا بِسَرَوَاتِ قومه فقال لهم: إن رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان وَقَّتَ لي وقتًا يُرسِلُ إليَّ رسوله لِيقبضَ ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الخُلْفُ، ولا أرى حَبْسَ رسوله إلا مِنْ سَخْطَةِ. فانطلقوا فنأتيَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. وبعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليدُ حتى بلغ بعضَ الطريق فَرِق -أي: خاف- فرجَع فأتى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه، إنَّ الحارثَ منعني الزكاة وأراد قتلي. فضرب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- البعثَ إلى الحارث، وأقبل الحارثُ بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصلَ عن المدينة لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارثُ. فلما غشيهم قال لهم: إلى مَنْ بُعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعثَ إليكَ الوليدَ بن عُقبة، فزعم أنك منعتَه الزكاة وأردت قتله. قال: لا، والذي بعثَ محمدًا بالحق ما رأيته بَتَّةً ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: منعتَ الزكاة وأردتَ قتل رسولي؟ قال: لا، والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلتُ إلا حين احتَبَسَ عليَّ رسولُ رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خشيت أن تكون كانت سخطة من اللَّه عز وجل ورسوله، قال: فنزلت الحجرات: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} إلى هذا المكان {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}] (٢).

قلت: ويبدو أن سبب تصرف الوليد بن عقبة بتلك الطريقة هو سماعه بخروجهم للقائه، فظنهم يريدون قتله، وإنما أرادوا استقباله. فلنستمع لرواية ابن إسحاق وفيها تفصيل لما حدث، وتصلح شاهدًا للحديث السابق.

قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان: [أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بعث إليهم بعد


(١) هو والد جويرية التي تزوجها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان لزواجه منها الأثر الكبير في تأليف قلوب قومها.
(٢) حديث حسن. أخرجه أحمد (٤/ ٢٧٩) و (٣/ ٤٨٨) ورجاله ثقات إلا دينار الكوفي مقبول، لكن له شواهد كثيرة تقويه إلى الحسن لغيره. وأخرجه الطبراني (٨٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>