للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسلامهم الوليدَ بن عقبة بن أبي معيط، فلما سمعوا به ركبوا إليه، فلما سمع بهم هابهم، فرجع إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخبره أن القوم قد همّوا بقتله، ومنعوه ما قِبَلهم من صدقتهم، فأكثر المسلمون في ذكر غَزْوهم، حتى همَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بأن يغزوهم، فبينا هم على ذلك قدمَ وفدُهم على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقالوا: يا رسول اللَّه، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا، فخرجنا إليه لِنُكْرِمَه، ونؤدّي إليه ما قِبَلنا من الصدقة، فانشمر راجعًا -أي جدّ وأسرع بالرجوع-، فبلغنا أنه زعم لرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنا خرجنا إليه لنقتله، واللَّه ما جئنا لذلك، فأنزل اللَّه تعالى فيه وفيهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}. . . إلى آخر الآية] (١).

وقوله: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. قال ابن جرير: (فتبينوا لئلا تصيبوا قومًا برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم فتندموا على إصابتكم إياهم).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إياكم والظَّنَّ، فإن الظَّنَ أكذَبُ الحديث، ولا تحسَّسُوا، ولا تجسَّسُوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغَضُوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد اللَّه إخوانًا] (٢).

وقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}. أي: واعلموا -معشر المؤمنين- أن فيكم رسول اللَّه فاحذروا أن تفتروا الكذب بين يديه فإن اللَّه يخبره أخباركم ويعرفه أنباءكم. ولو كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يعمل في الأمور بآرائكم ويطيعكم فيما تقولون له لنالكم بذلك "العنت" أي الشدة والمشقة.

وفي جامع الترمذي بسند صحيح عن أبي نضرة قال: [قرأ أبو سعيد الخدري: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ}. قال: هذا نبيكم يوحى إليه. وخيار أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لَعَنِتوا، فكيف بكم اليوم] (٣).

وقول: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}. أي: حسَّن الإيمان في قلوبكم فآمنتم وأقبلتم على الحق. قال القرطبي: (هذا خطاب للمؤمنين المخلصين الذين لا يكذبون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ولا يخبرون بالباطل، أي جعل الإيمان أحبّ الأديان


(١) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٢٩٦)، وكتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين (٨٧١ - ٨٧٣).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (٢٥٦٣) - كتاب البر والصلة. باب تحريم الظن والتجسس. . .
(٣) صحيح الإسناد. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٦٠٧) - كتاب التفسير - سورة الحجرات - آية (٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>