الذي قلت لكم أيها الناس: إن في السماء رزقكم وما توعدون لحق، كما حق أنكم تنطقون). وقال القرطبي:(أكَّدَ ما أخبرهم به من البعث وما خلق في السماء من الرزق، وأقسم عليه بأنه لحقٌّ، ثم أكّده بقوله:{مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} وخصّ النطق من بين سائر الحواس، لأن ما سواه من الحواس يدخله التشبيه، كالذي يُرى في المرآة، واستحالة الذوق عند غلبة الصفراء ونحوها، والدويّ والطنين في الأذن، والنطق سالم من ذلك). ثم ذكر قول بعض الحكماء:(كما أن كل إنسان ينطق بنفسه ولا يمكنه أن ينطق بلسان غيره، فكذلك كل إنسان يأكل رزقه ولا يمكنه أن يأكل رزق غيره).
في هذه الآيات: ذِكْرُ خبر إبراهيم عليه السلام، مع ضيوفه من الملائكة الكرام، وإلقائهم إليه البشرى ولزوجته بقدوم الغلام، وتعجّب الزوجة الفاضلة وهي عجوز عقيم من تلك البشرى ولكنه قضاء اللَّه الذي يعلو كل أمر أو عُرف أو كلام.
فقوله:{هَلْ أَتَاكَ}. قال النسفي:(تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وإنما عرفه بالوحي).
وقوله:{حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}. أي من الملائكة. قيل: هم جبريل وإسرافيل وميكائيل قدموا عليه في صورة شباب حِسان، عليهم مهابة عظيمة.
وقوله:{الْمُكْرَمِينَ}. قال مجاهد:(أكرمهم إبراهيم، وأمر أهله لهم بالعجل حينئذ). وقيل: لأن إبراهيم عليه السلام وسارة خدماهم بأنفسهما - ذكره ابن جرير. وقيل: المكرمين عند اللَّه - ذكره القرطبي، وكلا المعنيين حق.
وقوله:{إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ}. أي عليكم سلام، أو أمري سلام، أو ردّي لكم سلام. قال ابن كثير: ({قَالَ سَلَامٌ} الرفع أقوى وأثبتُ من النصب، فَرَدُّهُ