والمقصود: أي وتركنا أيضًا في قصة موسى آية كبيرة، إذ أرسلناه إلى فرعون بحجة بالغة ودليل باهر قاطع، فأصَرَّ على الكفر والكبر، فدكّه وجنوده العذاب.
وقوله:{فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ}. أي أعرض عن الإيمان بجموعه وأجناده وغروره وسطوته. قال مجاهد:({فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ} بعضده وأصحابه). وقال قتادة:(غلب عدو اللَّه على قومه). وقال ابن زيد:(بجموعه التي معه). وأصل الركن الجانب والناحية التي يعتمد عليها ويتقوى بها.
وقوله:{وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}. أي: قال فرعون لموسى معرضًا متكبرًا: لا يخلو أمرك فيما جئتني به من أن تكون ساحرًا أو مجنونًا.
وقوله:{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ}. أي: فحملناه وجنوده الذين تابعوه على الكفر فألقيناهم في البحر فغرقناهم فيه.
وقوله:{وَهُوَ مُلِيمٌ}. أي: وفرعون في ذلك مليم، يعني قد أتى ما يُلام عليه من الفعل، وهو الكفر والعناد. قال قتادة:(أي مليم في نعمة اللَّه. مليم في عباد اللَّه).
وقوله تعالى:{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}. أي: وكذلك فقد تركنا في قصة عاد عبرة من تدبر وتأمل، إذ أرسلنا عليهم ريح العذاب مقابل عنادهم وإصرارهم على الكفر. قال ابن عباس:(الريح العقيم: الريح الشديدة التي لا تُلقح شيئًا. لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب). وقال مجاهد:(ليس فيها رحمة ولا نبات ولا تلقح نباتًا).
وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:[نُصِرْت بالصَّبا، وأهلِكَت عادٌ بالدَّبُور](١).
وقوله:{مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ}. أي مما تفسده الريح. {إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ}. قال مجاهد:(كالشيء الهالك). وقال ابن عباس:(كالشيء الهالك البالي).
أخرج الترمذي بسند حسن عن أبي وائل، عن رجل من ربيعة قال: [قدمت المدينة، فدخلت على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فذكرت عنده، وافد عاد. فقلت: أعوذ باللَّه أن أكون مثل وافد عاد. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وما وافِدُ عادٍ؟ " قال: فقلت: على الخبير بها سقطت: إن عادًا لما أقحطت بعثت قيلًا، فنزل على بكر بن معاوية بن وائل فسقاه
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه (٣٢٠٥) - كتاب بدء الخلق، وكذلك (١٠٣٥)، وكذلك أخرجه (٤١٠٥)، ورواه مسلم في الصحيح (٩٠٠)، وقد مضى.