للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قياسًا على عبر التاريخ والزمان، وعلى سنة الأولين مع رسلهم عَبْرَ القرون والدهور والأيام.

وقوله تعالى: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ}.

أي: وكذّب هؤلاء المشركون من قريش ما جاءهم من آيات اللَّه، وقد عاينوا القمر وقد انفلق فلقتين، وآثروا اتباع أهواء نفوسهم من التكذيب بما يثبت نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكل أمر وعدهم اللَّه أو قدّره كائن في وقته، وسيثبت ويستقر عند ظهور العقاب والثواب.

وعن قتادة: ({وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ}: أي بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر). وقال ابن جريج: (مستقر بأهله). وقال مجاهد: ({وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} أي: يوم القيامة). وقال السدي: ({مُسْتَقِرٌّ} أي: واقع).

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ}. أي: ولقد جاءهم في هذا القرآن من أخبار الأمم قبلهم وقصص هلاكهم عند تكذيبهم الرسل، ما فيه عظة وعبرة لمن يعتبر. وعن مجاهد: (قوله: {مُزْدَجَرٌ} قال: منتهى).

وقوله: {حِكْمَةٌ بَالِغَة}. فيه أكثر من تأويل يناسب السياق:

١ - يعني القرآن، وهو بدل من "ما" من قوله: {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ}. حكاه القرطبي.

٢ - هو حكمة، أي خبر لمبتدأ محذوف. {بَالِغَةٌ}: أي حكمة قد بلغت غايتها من الإحكام والتنزه عن الخلل، ومن الاشتمال على البراهين السَاطعة والحجج التي كل منها كالجبل.

٣ - جملة مستأنفة للتعجب من حالهم، مع ما جاءهم مما يقود إلى الإيمان بادئ بدء. -حكاه القاسمي- وقال: (وهو ما يفهم من تأويل ابن كثير. وعبارته {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} أي في هدايته تعالى لمن هداه، وإضلاله لمن أضله).

وقوله: {فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ}. النذر إما جمع نذير، أو تكون بمعنى الإنذار. وهناك تأويلان حسب موقع "ما" من الإعراب:

أ- "ما" نافية. أي ليست تغني عنهم النذر. قال ابن جرير: (فليست تغني عنهم النذر ولا ينتفعون بها، لإعراضهم عنها وتكذيبهم بها).

٢ - "ما" -بمعنى "أنّى"- استفهام يفيد التوبيخ. قال القرطبي: (أي فأي شيء تغني

<<  <  ج: ص:  >  >>