في هذه الآيات: ذِكْرُ حال السعداء الأبرار، بعد ذكر مآل الأشقياء الفجار، فهم يتنعمون بين الجنان والعيون، والفواكه والحور العين، وألوان الملذات الكثيرة، والنعم الجليلة الوفيرة.
فقوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}. قال ابن عباس:(وعد اللَّه جل ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأذوا فرائضه الجنة). وقال مجاهد:(الرجل يهمّ بالذنب فيذكر مقامه بين يدي اللَّه فيتركه، فله جنتان). قال القرطبي:(والمعنى خاف مقامه بين يدي ربه للحساب فترك المعصية. فـ {مَقَامَ} مصدر بمعنى القيام. وقيل: خاف قيام ربه عليه أي إشرافه واطلاعه عليه، بيانه قوله تعالى:{أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}[الرعد: ٣٣]).
وأما الجنتان: فهما بستانان في عرض الجنة. قيل: إحدى الجنتين منزله والأخرى منزل أزواجه كما يفعله رؤسماء الدنيا. وقيل: إحدى الجنتين جنته التي خلقت له وجنة ورثها. وقيل: إحدى الجنتين مسكنه والأخرى بستانه. وقيل: إن إحدى الجنتين أسافل القصور والأخرى أعاليها. - واللَّه تعالى أعلم.
قلت: وقد ثبت في صحيح السنة حديثان في آفاق معنى هذه الآية.
الحديث الأول: أخرج البخاري ومسلم عن أبي عِمْرانَ الجَوْنيّ عن أبي بكر بن عبد اللَّه بن قيس، عن أبيه: أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:[جَنّتان من فِضّة، آنِيَتُهُما وما فيهما، وجَنَّتان مِنْ ذَهَبٍ آنيتُهما وما فيهما، وما بينَ القوم وبين أن ينظروا إلى ربِّهم إلا رِداءُ الكِبْرِ على وَجْهِهِ في جنة عَدْن](١).
الحديث الثاني: أخرج النسائي في "التفسير"، وأحمد في المسند، بسند حسن،
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٤٨٧٨)، كتاب التفسير. وأخرجه مسلم (١٨٠)، والترمذي (٢٥٢٨)، وابن ماجة (١٨٦)، وأحمد (٤/ ٤١١).