وعن ابن عباس:({يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} قال: ينصرونهم لا يكذبونهم، ويؤمنون بهم {بِالْغَيْبِ} أي: وهم لا يرونهم). وقيل:{بِالْغَيْبِ} أي: بالإخلاص.
وقوله:{إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}. أي: إن اللَّه قوي على نصر دينه ورسله وأوليائه، {عَزِيزٌ} أي: منيع غالب قاهر لأعدائه، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم أيها الناس ببعض، وهو -تعالى- غير محتاج إلى من ينصره أو ينصر دينه.
قال ابن جرير:({إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} يقول تعالى ذكره: إن اللَّه قوي على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيز في انتقامه منهم، لا يقدر أحد على الانتصار منه مما أحل به من العقوبة). وقال النسفي:({إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} يدفع بقوته بأس من يعرض عن ملته {عَزِيزٌ} يربط بعزته جأش من يتعرض لنصرته).
في هذه الآيات: إرسالُ اللَّه تعالى نوحًا وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وجعلُ النبوة والكتاب في سلالتهما للمصطفين الكرام، وثناؤه تعالى على عيسى بن مريم وأتباعه الصادقين أهل الإحسان، وذمّ أهل الابتداع في الدين والتنطع وأهل الفسق اللئام.
إخبار من اللَّه تعالى أنه منذ بعث نوحًا وإبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- لم ينزل كتابًا أو يرسل رسولًا أو يوحي لبشر إلا من سلالتهما حتى كان آخر أنبياء بني إسرائيل عيسى بن مريم الذي بشر من بعده بنبينا محمد صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين. قال القرطبي: ({وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} أي: جعلنا بعض ذريتهما