للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونُشركُكُم في الثَّمرَة، قالوا: سمعنا وأطعنا] (١).

الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن أنس قال: [قال المهاجرون: يا رسول اللَّه! ما رأينا مثلَ قوم قدمنا عليهم أحسنَ مواساةً في قليل ولا أحسنَ بذلًا في كثيرٍ، لقد كَفونا المُؤْنَة، وأشركونا في المهنأ، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله! قال: "لا، ما أثنيتم عليهم ودعوتم اللَّه لهم"] (٢).

وقوله: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}. قال الحسن: (يعني الحسد). وقال قتادة: ({مِمَّا أُوتُوا} يعني مما أُعطي إخوانهم). والمعنى: ومن كرم هؤلاء الأنصار وسمو أخلاقهم وتألق خصالهم أنهم لا يجدون في أنفسهم حسدًا لإخوانهم المهاجرين فيما فَضَّلهم اللَّه به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة، والسَّبْق في بعض الخصال ورفيع الأعمال.

أخرج الإمام أحمد في المسند، والإمام النسائي في "السنن الكبرى" بسند على شرط الشيخين عَنْ أنس قال: [كُنّا جُلوسًا مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: "يَطْلُعُ عليكم الآنَ رجلٌ من أهل الجنة". فَطَلَع رجلٌ من الأنصار تَنْطُفُ لحيتُه من وضوئِه، قد تَعَلَّقَ نعليه بيده الشمال، فلما كان الغدُ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ ذلك، فطلعَ ذلك الرجل مثل المَرَّة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مثلَ مَقالتِه أيضًا، فطلعَ ذلك الرجل على مِثل حالهِ الأولى، فلما قام رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تَبِعه عبدُ اللَّه بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيتُ أبي، فأقسمتُ ألا أدخُلَ عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تُؤويني إليك حتى تمضي فَعَلْتُ. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد اللَّه يُحدِّث أنه باتَ معه تلكَ اللياليَ الثلاثَ فلم يَرَه يقوم من الليل شيئًا، غير أنَّه إذا تعارَّ تَقَلَّبَ على فراشه ذَكَر اللَّه وكبَّر حتى يقوم من الليل شيئًا، غير أنَّه إذا تعارَّ تَقَلَّبَ على فراشه ذَكَر اللَّه وكبَّر حتى يقوم لصلاةِ الفَجْر. قال عبد اللَّه: غير أني لم أسمَعْه يقول إلا خيرًا، فلما مَضَتِ الثلاثُ ليالٍ وكِدْتُ أن أحتقِرَ عملَه قلت: يا عبد اللَّه! لم يكنْ بيني وبين أبي غَضَب ولا هَجْر، ولكن سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول لك ثلاث مَرَّات: "يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة". فطَلَعت أنت الثلاث المرّات، فأردت أن آوِي إليك لأنظُرَ ما عَملُك فأقتدِيَ به، فلم أرَكَ تعمل كثيرَ عملٍ، فما الذي بلغَ بكَ ما قال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ قال: ما هو إلا


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٣٢٥)، كتاب الحرث والمزارعة. وانظر (٢٧١٩) كذلك.
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٣/ ٢٠١) وإسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>