للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالَهم، فاحبَبْتُ إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادًا عن ديني ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أما إنه قد صدقكم. فقال عمر: يا رسول اللَّه دعني أضرب عنق هذا المنافق (وفي رواية: يا رسول اللَّه قد خان اللَّه ورسوله والمؤمنين دعني أضرب عنقه). فقال: إنه قد شهد بدرًا وما يدريك لعل اللَّه اطّلع على من شهد بدرًا قال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فأنزل اللَّه السورة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إلى قوله: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}] (١).

فقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ}. أي: من المشركين والكفار الذين يحاربون اللَّه ورسوله ويصدون عن الدين الحق {أَوْلِيَاءَ} يعني أخلاء وأصدقاء وأنصارًا. والآية فيها تهديد ووعيد لمن يضعف أمام إقامة منهج الولاء والبراء.

وقوله: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}. قال القرطبي: (يعني بالظاهر، لأن قلب حاطب كان سليمًا، بدليل أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال لهم: "أما صاحبكم فقد صدق" وهذا نصٌّ في سلامة فؤاده وخلوص اعتقاده). وعن الزجاج: ({تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} تخبرونهم بسرائر المسلمين وتنصحون لهم).

وقوله: {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}. أي: كيف توادوهم أو تتولوهم وهذا حالهم لا يخفى عليكم من محاربة ما جاءكم من الحق.

وقوله: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ}. استئناف يبيّن بعض النعوت والصفات التي كفر بها طغاة مكة، وهو إخراجهم الرسول والمؤمنين من ديارهم. قال ابن عباس: ({يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ}: وكان حاطب ممن أخرج مع النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-). وقيل: بل هو حال من {كَفَرُوا}. وكلا التأويلين منسجم مع السياق.

وقوله: {أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ}. تعليل لـ {يُخْرِجُونَ}. والتقدير: إنما يخرجونكم مع رسولكم من مكة بسبب إيمانكم باللَّه وحده، وإفراده تعالى بالتكبير والتعظيم.

وقوله: {إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي}. قال ابن كثير: (أي: إن كنتم كذلك فلا تتخذوهم أولياء، إن كنتُم خرجتُم مجاهدين في سبيلي باغين لمرضاتي عنكم


(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٣٩٨٣) - كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدرًا. وكذلك (٤٢٧٤) - في باب غزوة الفتح، و (٣٠٠٧) - كتاب الجهاد. ورواه مسلم بنحوه (٢٤٩٤)، وأبو داود (٢٦٥٠)، والترمذي (٣٣٠٥)، وأحمد (١/ ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>