ابن عباس:(يعني كثر الماء ليالي غرّق اللَّه قوم نوح). والجارية: السفينة.
والمقصود: لما أصرّ قوم نوح على الكفر وتكذيب الوحي والنبوة أرسل اللَّه عليهم ماء السماء فكثر حتى تجاوز حده المعروف فكان الطوفان وغرق القوم الكافرين، ونجّى اللَّه بسفينة نوح المؤمنين.
وفي الآية زجر لهذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول. وفيه امتنانٌ من اللَّه عليهم أن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله:{حَمَلْنَاكُمْ} أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم، ومن ثمّ فالناس كلهم من سلالة نوح وذريته.
وقوله:{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً}. قال النسفي:(أي الفعلة، وهي إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين {لَكُمْ تَذْكِرَةً} عبرة وعظة). وقال ابن كثير:({لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً}، عاد الضمير على الجنس لدلالة المعنى عليه، أي وأبقينا لكم من جنسها ما تركبون على تيار الماء في البحار، كما قال: {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} [الزخرف: ١٢ - ١٣]. وقال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس: ٤١ - ٤٢]).
وقيل: أبقى اللَّه السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة. ذكره قتادة.
قلت: والراجح من السياق أن المراد قصة النجاة في سفينة الحق التي حملت نبيَّ اللَّه نوحًا -صلى اللَّه عليه وسلم- والذين آمنوا منه، فهي التي تحمل العبرة والذكرى للأجيال المؤمنة التي ستعقب هذا الحدث إلى يوم القيامة، ويدل على ذلك ختام الآية، وهو قوله تعالى:{وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}. أي: وتفهم هذه الآية العظيمة والمعجزة الإيمانية أذن عقلت عن اللَّه مراده فانتفعت بما سمعت من آيات كتابه.
وعن ابن عباس:({وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} يقول: حافظة). أو قال:(يقول: سامعة، وذلك الإعلان). وقال قتادة:({وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} قال: أذن عقلت عن اللَّه، فانتفعت بما سمعت من كتاب اللَّه). وقال الضحاك:(سمعتها أذن ووعت).