للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (١٨)}.

في هذه الآيات: ذِكْرُ الأحداث الرهيبة لبدء القيامة والحساب، من النفخ في الصور وحركة الأرض والجبال وانشقاق السماء ليبدأ بعد ذلك العرض ثم الثواب والعقاب.

فقوله تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ}. قال القاسمي: (أي: لخراب العالم).

قال أبو السعود: (هذا شروع في بيان نفس الحاقة، وكيفية وقوعها، إثر بيان عظم شأنها بإهلاك مكذبيها).

وعن ابن عباس: ({فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} قال: هي النفخة الأولى لقيام الساعة، فلم يبق أحد إلا مات). وقال الربيع: (هي النفحة الأخيرة).

قلت: والراجح أنها النفخة الأولى -نفخة الفزع- التي تعقبها نفخة الصعق ثم نفخة القيام للَّه رب العالمين. ودليل ذلك الآية بعدها: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}، وهذا منسجم مع آية سورة النمل: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: ٨٧ - ٨٨].

قال ابن كثير: (وقد أكّدها هاهنا بأنها {وَاحِدَةٌ}، لأن أمر اللَّه لا يُخالف ولا يُمانَع، ولا يحتاجُ إلى تكرار وتأكيد).

وقوله تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}. قال النسفي: (رفعتا عن موضعهما {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} دقتا وكسرتا، أي ضرب بعضها ببعض حتى تندق وترجع كثيبًا مهيلًا وهباء منبثًا).

والمقصود: تبدلت الأرض غير الأرض، ونسفت الجبال فكانت هباء منبثًا، لابتداء أمور القيامة من الحشر والحساب. وفي قوله: {فَدُكَّتَا} دليل على إدماج الجبال كلها جملة واحدة لتدك مع الأرض.

وقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ}. أي: فحينئذ نزلت النازلة وهي القيامة.

وقوله: {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ}. أي: وانصدعت السماء وتفطرت فهي يومئذ ضعيفة متصدعة. كما قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} [الفرقان: ٢٥]. وعن ابن عباس: ({فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} هو: يعني متمزّقة ضعيفة).

<<  <  ج: ص:  >  >>