فقوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}.
إخبار عن حال أهل الشقوة حين توزع عليهم كتبهم في أرض المحشر بشمائلهم، فيجدون فيها حصائد أعمالهم، فيندمون غاية الندم، فيقول قائلهم: {يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ}. قال النسفي: (لما يرى فيها من الفضائح).
وقوله تعالى: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ}. أي: يتمنى أن لم يكن أعطي الكتاب، ولم يدر ما الحساب.
وقوله تعالى: {يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ}. قال الضحاك: (أي موتة لا حياة بعدها).
وقال قتادة: (تمنى الموت، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت).
وقوله تعالى: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}. أي لم يدفع عني مالي ولا جاهي العذاب، فأصبحت أسير عملي، فلا ناصر ولا مجير ولا معين.
وعن ابن عباس: ({هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} يقول: ضلّت عني كل بينة فلم تغن عني شيئًا). وقال عكرمة: ({هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} قال: حجتي). وقال ابن زيد: (سلطان الدنيا).
وقوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١)}. أي: فعند ذلك يأمر اللَّه تعالى ملائكته من خُزّان جهنم بسحبه من أرض المحشر ووضع الأغلال في عنقه ثم بإلقائه في نار جهنم ليصلى فيها، ولتغمره بسعيرها.
وقوله تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ}.
قال القاسمي: ({ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ} أي حلقة منتظمة بأخرى، وهي بثالثة، وهَلُمَّ جرا. {ذَرْعُهَا} أي: مقدارها {سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} فأدخلوه فيها. أي: لفّوه بها، بحيث يكون فيما بين حلقها مرهقًا، لا يقدر على حركة).
وقوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ}. تعليل استحقاقه ذلك الخزي والعذاب. فلقد كان لا يوقن باللَّه العظيم المستحق للعظمة وحده، بل كان يشرك معه الأنداد والطواغيت، فيصرف لهم من العبادة والتعظيم ما لا ينبغي إلا للَّه الواحد القهار.
وقوله تعالى: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}. قال القرطبي: (بَيَّنَ أنه عُذّب على ترك الإطعام وعلى الأمر بالبخل، كما عُذّب بسبب الكفر. والحَضُّ: التحريض والحَثّ).
والمقصود: إنه قد جمع إلى الكفر، الشح والبخل، والدعوة إلى ذلك.