في هذه الآيات: إخبار اللَّه تعالى عن إرساله نبيّه نوحًا -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى قومه لينذرهم بأسه -جَلَّت عظمته- قبل حلوله، فإن تداركوا أنفسهم بالتوبة والإنابة وإفراده تعالى بالتعظيم ورسوله بالمتابعة رفع عنهم سخطه وكفّر عنهم سيئاتهم ومَدَّ في أعمارهم بالراحة والهناءة في العيش، ليوافقوا الأجل المسمى لهم في أم الكتاب.
فقوله:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}. نوح -صلى اللَّه عليه وسلم- هو أول رسول إلى أهل الأرض.
ففي الصحيحين والمسند من حديث أبي هريرة -حديث الشفاعة- مرفوعًا:[فيقول آدم عليه السلام: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مِثْلَه، ولن يغضبَ بعدَه مِثْلَهُ، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحًا -صلى اللَّه عليه وسلم- فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض وسمّاك اللَّه عبدًا شكورًا فاشفع لنا إلى ربك. . .] الحديث (١).
وقوله:{أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ}. أي بأن أنذر قومك، فموضع {أَنْ} نصب بإسقاط الخافض. ويجوز {أَنْ} بمعنى المفإرة فلا محل لها من الإعراب. - حكاه القرطبي.
وقوله:{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. قال ابن عباس:(يعني عذاب النار في الآخرة).
وقال الكلبي:(هو ما نزل عليهم من الطوفان). وقيل: أي أنذرهم العذاب الأليم على الجملة إن لم يؤمنوا.
(١) حديث صحيح. أخرجه البخاري في صحيحه -حديث رقم- (٣٣٤٠)، كتاب أحاديث الأنبياء، وأخرجه مسلم (١/ ١٢٧ - ١٢٩). ورواه أحمد.