وقوله تعالى: {قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}. أي مخّوف بَيِّن النذارة، ظاهر الأمر واضحه، ومظهره بلسانكم الذي تعرفونه.
وقوله تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ}. قال قتادة: (أرسل اللَّه المرسلين بأن يُعْبَد اللَّهُ وحدَه، وأن تتقى محارمه، وأن يُطاع أمره).
وقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ}. أي: إنْ أثبتّم للَّه تعالى وحده التعظيم، فأفردتموه بالعبادة وأفردتم رسوله بالمتابعة فيما جاءكم به من الوحي الكريم، غفر اللَّه لكم ذنوبكم.
وفي {مِنْ} أكثر من تأويل عند المفسرين:
التأويل الأول: {مِنْ} صلة زائدة. والتقدير: يغفر لكم ذنوبكم. قاله السدي.
التأويل الثاني: {مِنْ} للتبعيض. والتقدير: يغفر لكم بعض ذنوبكم، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين. قال ابن كثير: (وقيل: إنها للتبعيض، أي: يغفر لكم الذنوب العِظام التي وعدكم على ارتكابكم إياها الانتقام).
التأويل الثالث: {مِنْ} بمعنى "عن". والتقدير: يصفح لكم عن ذنوبكم. واختاره ابن جرير. وقال زيد بن أسلم: (المعنى يخرجكم من ذنوبكم). وقال ابن شجرة: (يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها).
وقوله: {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}. فيه أقوال متكاملة.
١ - قال ابن عباس: (أي ينسئ في أعماركم). ومفهومه: أن اللَّه تعالى كان قد قضى قبل خلقهم أنهم إن آمنوا بارك في أعمارهم، وإن لو يؤمنوا عوجلوا بالعذاب. - حكاه القرطبي.
٢ - قال مقاتل: (يؤخركم إلى منتهى آجالكم في عافية، فلا يعاقبكم بالقحط وغيره). ومفهومه: يؤخركم اللَّه بذلك من العقوبات والشدائد إلى آجالكم.
٣ - قال الزجاج: (أي يؤخركم عن العذاب فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب). وعن الفراء: ({أَجَلٍ مُسَمًّى} عندكم تعرفونه، لا يميتكم غَرَقًا ولا حَرقًا ولا قتْلًا).
قلت: وزيادة العمر في الطاعة والبر وصلة الرحم زيادة حقيقية، وهي في علم اللَّه تعالى ومكتوبة في اللوح المحفوظ، وقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة.