في هذه الآيات: إغراقُ اللَّه قوم نوح الكافرين بالطوفان، ليدخلوا بعد ذلك عذاب نار القبر ضريبة الآثام. ودعاء نوح ربه إهلاك مَنْ في الأرض مِن الكافرين، والمغفرة له ولوالديه ولجميع المؤمنين.
فقوله:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}. أي: فمن إصرارهم على الكفر ومخالفة رسولهم أغرقوا بالطوفان ثم أدخلوا في النيران. قال سفيان:({مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} قال: بخطيئاتهم أُغرقوا). وقال الفراء:(المعنى: من أجل خطاياهم). وقال القرطبي:({مَا} صلة مؤكدة، والمعنى من خطاياهم. {فَأُدْخِلُوا نَارًا} أي بعد إغراقهم).
قال القشيريّ:(وهذا يدل على عذاب القبر). وقال ابن كثير:({أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}، أي: نُقِلوا من تَيَّار البحار إلى حرارة النار). قلت: والقول بأنه عذاب القبر قبل عذاب جهنم قول سديد.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}[غافر: ٤٦].
وفي سنن أبي داود ومستدرك الحاكم بسند صحيح من حديث البراء:[فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فافرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرِّها وسمومها ويضيق عليه قبره، حتى تختلف أضلاعه. . .] الحديث (١).
(١) حديث صحيح. وهو جزء من حديث طويل. أخرجه أبو داود (٢/ ٢٨١)، والحاكم (١/ ٣٧ - ٤٠).=