للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: والراجح في المعنى: إن -لك يا محمد- في النهار وقتًا لحوائجك وأمور حياتك، فأفرغ الليل واملأ القلب من القرآن والناس نيام.

وقوله تعالى: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}.

أي: واذكر ربك يا محمد، وأكثر من ذكره، وانقطع إليه، وتفرغ لعبادته.

والتبتل: الانقطاع إلى عبادة اللَّه عز وجل. وفي لغة العرب: بتلت الشيء أي قطعته.

والمقصود: انقطع بعبادتك إلى اللَّه ولا تشرك به غيره.

وعن ابن عباس: ({وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} قال: أخلص له إخلاصًا). وقال مجاهد: (أخلص إليه المسألة والدعاء). وقال الحسن: (بَتِّل نفسك واجتهد).

وقال قتادة: (أخلص له العبادة والدعوة). وقال ابن زيد: (أي تفرّغ لعبادته).

وفي التنزيل نحو ذلك: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧ - ٨].

وفي المسند وجامع الترمذي بإسناد صحيح عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: [إنَّ اللَّه تعالى يقول: يا ابنَ آدم تفرَّغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسُدَّ فقرك، وإن لا تفعل ملأت يديك شغلًا ولم أسُدَّ فقرك] (١).

وقوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا}.

أي: هو رب المشارق والمغارب المتفرد بالملك والجبروت فلا يستحق العبادة غيره، فأفرده بالتعظيم والتأليه والتوكل. قال القرطبي: ({فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} أي قائمًا بأمورك. وقيل: كفيلًا بما وعدك).

وفي التنزيل نحو ذلك:

١ - قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣].

٢ - وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥].

وقد كان من دعائه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [اللهم لك أسلمت، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنَبْتُ، وبكَ خاصمتُ، اللهم إني أعوذُ بعزتك، لا إله إلا أنت، أن تُضِلَّني،


(١) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٢/ ٣٥٨)، والترمذي (٣/ ٣٠٨)، وابن ماجة (٢/ ٥٢٥)، وأخرجه ابن حبان (٢٤٧٧). وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٣٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>