للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موته، وما سنّ فعمل به بعد موته). وقال أيضًا: (يقول: بما قدّم من المعصية، وأخَّر من الطاعة، فينبأ بذلك). وقال مجاهد: (بأول عمله وآخره).

وقال قتادة: ({يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ} من طاعة اللَّه {وَأَخَّرَ} مما ضَيَّعَ من حق اللَّه). أو قال: (بما قدّم من طاعته، وأخَّر من حقوق اللَّه).

والمقصود: يَخْبَرُ العبد يومئذ بجميع أعماله قديمها وحديثها، أولها وآخرها، صغيرها وكبيرها، مقطوعها ومستمرها، كما قال سبحانه: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩].

وقوله تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.

أي: بل الإنسان يعرف ما هو عليه من إيمان أو كفر، وطاعة أو معصية، واستقامة أو اعوجاج، ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك، فعليه من يكذّب عذره، وجوارحه ستكون عليه شاهدة يوم الحساب.

فعن ابن عباس: ({بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} يقول: الإنسان شاهد على نفسه وحده). وقال قتادة: (شاهد عليها بعملها). وقال سعيد بن جبير: (شاهد على نفسه ولو اعتذر). وعن مجاهد: (قوله: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} قال: ولو جادل عنها، فهو بصير عليها). وقال السدي: ({وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} ولو أرخى الستور، وأغلق الأبواب). وقال الحسن: ({وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} لم تقبل معاذيره).

وفي التنزيل:

١ - قال تعالى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: ١٤].

٢ - وقال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: ٢٤].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: [ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك (١)، فيقول: يا رب آمنتُ بك وبكتابك وبرسلك، وصَلّيت وصُمْتُ وتَصَدَّقْتُ، ويُثَنّي بخير ما استطاع، قال: فيقول: هاهنا إذن. قال: ثم يقال له: الآن نبعث شاهدنا عليك، ويتفكَّر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ؟ فَيُخْتَم على فيه، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطِقِي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، وذلك لِيُعْذِرَ من نفسه،


(١) أي يسأله اللَّه كما سأل رجلين قبله: "ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع"؟ وكانا أقرّا بذلك وأنكرا البعث ولقاء اللَّه. فقال لكل منهما: اليوم أنساك كما نسيتني.

<<  <  ج: ص:  >  >>