للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سماوات محكمة البنيان، لا صدوع فيهن ولا فطور، ولا يبليهن مرّ الليالي والأيام، وَزَيَّنَاها بالكواكب الحسان.

وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا}. يعني بالسراج: الشمس. وقوله: {وَهَّاجًا} أي وَقَّادًا مضيئًا. قال ابن عباس: ({وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} يقول: مضيئًا). وفي رواية قال: (يقول سراجًا منيرًا). وقال مجاهد: ({سِرَاجًا وَهَّاجًا} قال: يتلالأ).

وقال سفيان: (يتلالأ ضوؤه). والمقصود: وجعل سبحانه الشمس من رحمته وَهّاجة تتلألأ بالضياء والنور، ويتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم.

وقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا}.

المعصرات: السحاب. قال ابن عباس: ({وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} أي: مِنَ السحاب).

وقال الفرّاء: (هي السحاب التي تتحلّبُ بالمطر ولم تُمطر بعدُ، كما يُقال: امرأةٌ مُعْصِرٌ: إذا دنا حيضُها ولم تحض). وقال ابن عباس في رواية أخرى: ({وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ} قال: الرياح). وكأن المقصود أنها تستدرُّ المطر من السحاب.

والقول الأول أرجح: أن المعصرات هي السحاب، واختاره ابن جرير وابن كثير وغيرهما.

وفي التنزيل ما يؤيد ذلكَ، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} [الروم: ٤٨].

وقوله: {ثَجَّاجًا}. قال مجاهد: (مُنصبًّا). وقال الثوري: (مُتَتابعًا).

وقال ابن زيد: (كثيرًا). قلت: وفي لغة العرب: ثَجَّ الماءَ سَيَّلَهُ. ومطرٌ ثجَّاج: أي مُنْصَبٌّ جدًا. فيكون الثجُّ هو الصبُّ المتتابع الكثير.

وفي الحديث: [أفضل الحجّ العجّ والثجّ] (١). والعجّ: هو رفع الصوت بالتلبيةِ. والثجُّ: سيلان دماء الهدي والأضاحي، أو صبّ دماء البُدْن.

وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث حمنة بنت جحش. قالت: [يا رسول اللَّه، إني امرأة أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، قد منعتني الصلاة والصوم؟ فقال: أنْعَتُ لكِ الكرسُفَ فإنه يُذْهِبُ الدَّمَ. قالت: هو أكثر من ذلك، قال:


(١) حديث حسن. أخرجه الترمذي في الجامع من حديث ابن عمر. انظر صحيح الجامع (١١١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>