للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا}. المفاز من الفوز: وهو النجاة والظَّفر بالخير. والمفازة: واحدة المفاوِز، وهي الفلاة إذا قلّ ماؤها. قال الأصمعي: (سُمِّيت بذلكَ تفاؤلًا بالسلامةِ والفوز).

وعن مجاهد: ({إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} قال: فازوا بأن نجوا من النار). وقال قتادة: (أي واللَّه مفازًا من النار إلى الجنة، ومن عذاب اللَّه إلى رحمته).

وعن ابن عباس: ({إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} قال: مُتَنَزَّهًا). قلت: ولا تعارض بين القولين، فإن الفوز بالنجاة من العذاب إلى رضوان اللَّه ورحمته هو غاية المتعة والتنزّه.

وقوله تعالى: {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا}. قال ابن جرير: (الحدائق ترجمة وبيان عن المفاز).

والحدائق: جمع حديقة، وهي البستان المحوَّط عليه. والأعناب: جمع عنب، أي كروم أعناب. والمعنى: إن المتقين يوم القيامة يتنزهون في حدائق الجنان، وكروم الأعناب، وهم في غاية المتعة والسرور، والأمن والراحة والحُبور.

وقوله تعالى: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا}. الكواعب: النواهد. جمع كاعِب. والأتراب: الأقران في السن، جمع تِرْب.

قال ابن زيد: (الكواعب: التي قد نهدت وكعّبَ ثديها). والمقصود: وحورًا نواهد، أي: ثديهن نواهد لم يتدلَّين لأنهن أبكار عُرُب أتراب، أي في سِنِّ واحدة. قال القاسمي: ({وَكَوَاعِبَ} أي بنات فلكت ثديّهن، أي استدارت مع ارتفاع يسير {أَتْرَابًا} أي متساويات في السن).

وقوله تعالى: {وَكَأْسًا دِهَاقًا}. قال ابن عباس: (مملوءة متتابعة). وقال عكرمة: (صافية). وقال الحسن: (مُترعة مملوءة). وفي لغة العرب يقال: أَدْهَقْتُ الكأس: أي ملأتها، وكأسٌ دِهاق أي ممتلئة. والمقصود: وَيُقَدَّمُ لهؤلاء الأبرار المتقين في الجنة كأس ملأى من خمرٍ لذة للشاربين، ليجتمع عليهم بذلكَ جمال الحدائق والكواعب ولذة الشراب.

وقوله تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا}. اللغو: الباطل. قال القرطبي: (هو ما يُلغى من الكلام ويُطَّرَح. قال: وذلك أن أهل الجنة إذا شربوا لم تتغير عقولهم، ولم يتكلموا بلغو، بخلاف أهل الدنيا). و {كِذَّابًا} أي مكاذبة. أي لا يُكَذّب بعضهم بعضًا ولا يسمعون كذبًا. قال بعض العلماء: (اللغو والتكذيب مما تألم له أنفس الصادقين، بل هو من أشد الأذى لقلوبهم. فأرادَ اللَّه إزاحة ذلكَ عنهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>