وقوله تعالى:{جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا}. قال النسفي:({جَزَاءً} مصدر، أي جزاهم جزاء {مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً} مصدر، أو بدل من جزاء {حِسَابًا} صفة، يعني كافيًا، أو على حسب أعمالهم). وفي لغة العرب: أعطاني فلانًا فأحسبني أي: كفاني. ومنه {حَسْبِيَ اللَّهُ} أي: اللَّه كافِيَّ. والمقصود: كُلُّ ما سبق ذكره من ألوان السرور والنعيم، إنما جازى اللَّه به المتقين، فأعطاهم عطاء كافيًا وافرًا شاملًا كثيرًا، مقابل ما قدَّموا من العطاء لهذا الدين وجاهدوا في سبيل اللَّه جهادًا كبيرًا.
في هذه الآيات: إخبارُ اللَّه تعالى عن نفسه أنه رب السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، ولا يملك أحد أن يتكلم يوم الحشر إلا بإذنه الكريم، فهو يوم رهيب يتمنى الكافر فيهِ لو صار ترابًا وتخلص من العذاب المهين الأليم.
فقوله:{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ}. إِخْبَارٌ من اللَّه تعالى عن عظمته وجبروته ورحمته. وقرأ ابن مسعود ونافع وأبو عمرو {رَبُّ} بالرفع على الاستئناف، "الرحمنُ" خبره. أو بمعنى هو رب السماوات، ويكونُ "الرحمن" مبتدأ ثانيًا.
وقرأ ابن عامر وبعض أهل البصرة والكوفة {رَبِّ} بالخفض، نَعْتًا لقوله:{جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ}. والتقدير: جزاء من ربك ربِ السماواتِ الرحمنِ. وهذه القراءة بالخفض هي الأشهر بين القرّاء.
وقوله:{لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ}. قال مجاهد:(كلامًا). وقال ابن زيد:(لا يملكون أن يخاطبوا اللَّه. والمخاطب: المخاصم الذي يخاصم صاحبه). والمقصود: لا يملك أحد في ذلك اليوم الرهيب ابتداء مخاطبته سبحانه إلا بإذنه.