في هذه الآيات: ذكر قصة موسى مع فرعون الطاغية للاعتبار، ليتعظ بذلك كفار قريش ومن مضى على سبيلهم بالكفر والاستهتار، فقد أهلك اللَّه الطاغية وجنوده وكان للنبوة الظفر والانتصار.
فقوله تعالى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}. تسلية للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يلقاه من أذى قومه وتكذيبهم. قيل:{هَلْ أَتَاكَ} أي قد جاءك وبَلَغَك {حَدِيثُ مُوسَى}. قال القرطبي:(أي إن فرعون كان أقوى من كفار عصرك، ثم أخذناه، وكذلك هؤلاء). وقيل:"هل" بمعنى "ما" أي ما أتاك، ولكن أخبرت به، فإن فيه عبرة لمن يخشى. وقال النسفي:({هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} استفهام يتضمن التنبيه على أن هذا مما يجب أن يشيع، والتشريف للمخاطب به).
وقوله تعالى:{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}. أي: حين ناجاه ربه بالوادي المطهر الذي اسمه {طُوًى}. قال ابن جرير:(يعني بالمقدس: المطهَّر المبارك). وعن مجاهد:(قوله {طُوًى} اسم الوادي). قال الفرّاء:(طوَى: واد بين المدينة ومصر. قال: وهو معدول عن طاوٍ، كما عدل عمر عن عامر). وفي الصحاح:(طُوى: بضم الطاء وكسرها اسم موضع بالشأم يُصْرَفُ ولا يُصْرف: فمن صَرَفه جعله اسمَ وادٍ ومكانٍ وجَعَله نكرة. ومن لم يَصْرِفْه جَعَلَهُ بَلْدَةً وبُقْعَة وجعله معرفة). قال الرازي:(وقال بعضهم: طُوًى هو الشيء المثنيُّ، وقال في قوله تعالى:{الْمُقَدَّسِ طُوًى} طُوِيَ مرتين أي قُدِّسَ مرتين). وقال الحسن:(ثُنِيَت فيه البركة والتقديس مرتين).
وقوله تعالى:{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}. أي: ناداه ربه أن اذهب إلى فرعون فقد عتا وتجاوز حدّه في العدوان، والتكبر على ربه.
وقوله تعالى:{فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى}. قال ابن عباس:(هل لك أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه). وقال ابن زيد:(إلى أن تسلم). قال النسفي:({فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} هل لك ميل إلى أن تتطهر من الشرك والعصيان بالطاعة والإيمان). والمقصود: دعا موسى فرعون ليكون زكيًا مؤمنًا.
وقوله تعالى:{وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}. أي: وأرشدك إلى تعظيم ربك والتزام طاعته فتخافه وتتقيه. قال ابن كثير:(أي: أدُلّكَ إلى عبادة ربك، {فَتَخْشَى}، أي: فيصيرَ قلبُكَ خاضعًا له مطيعً خاشعًا بعد ما كان قاسيًا خبيثًا بعيدًا من الخير).