للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما في بطنها من الموتى، وتخلت ممن على ظهرها من الأحياء). وقال النسفي: ({وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا}: ورمت ما في جوفها من الكنوز والموتى. {وَتَخَلَّتْ}: وخلت غاية الخلو حتى لم يبق شيء في باطنها كأنها تكلفت أقصى جهدها في الخلو).

وقوله تعالى: {وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ}. قال ابن جرير: (يقول: وسمعت الأرض في إلقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء، أمرَ ربها وأطاعت {وَحُقَّتْ} يقول: وحَقَّقها اللَّه للاستماع لأمره في ذلك، والانتهاء إلى طاعته). وقال القاسمي: ({وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} أي انقادت له في التخلية، وحق لها ذلك، وإعادة الآية للتنبيه على أن ذلك تحت سلطان الجلال الإلهي وقهره ومشيئته. وجواب {وَإِذَا} محذوف للتهويل بالإبهام. أي: كان ما كان مما لا يفي به البيان. أو لاقى الإنسان كدحه، كما قال).

وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}. هو خلاصة هذه الحياة. والمراد جنس الإنسان، فيشمل المؤمن والكافر. والمعنى: إنك أيها الإنسان ساع إلى ربك سعيًا، وعاملٌ عملًا، وسوف تلاقي ربك بعملك.

قال ابن عباس: ({يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ} يقول: تعمل عملًا تلقى اللَّه به خيرًا كان أو شرًا). فالضمير في {فَمُلَاقِيهِ} يعود على {رَبِّكَ} أي: فملاق ربك، أو يعود على الكدح والعمل، وكلا المعنيين متلازم.

أخرج الحاكم والطيالسي بسند حسن عن جابر قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: [قال جبريل: يا محمدُ! عِشْ ما شِئت فإنك مَيِّت، وأحْبِبْ ما شِئت فإنك مُفَارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه] (١).

قلت: والآية تنبيه للعاقل أن يلتمس في كدحه طاعة اللَّه ويجتنب ما يسخطه. كما قال قتادة: (إن كَدْحَكَ -يا ابن آدمَ- لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحُه في طاعة اللَّه فليفعَلْ، ولا قوة إلا باللَّه).

وقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}.

أي: من أعطي كتاب أعماله بيمينه، تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها اللَّه من غير أن يناقشه الحساب.


(١) حديث حسن. أخرجه الحاكم (٤/ ٣٢٥)، والطيالسي (١٧٥٥)، والبيهقي في "الشعب" (١٠٥٤٠) من حديث جابر بن عبد اللَّه، وإسناده حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>