للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

١ - ٨. قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٦) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨)}.

في هذه الآيات: تذكير اللَّه تعالى نبيّه ببعض آلائه عليه، وإحسانه إليه، ليحضّه ذلك على المزيد من شكره، ويستوجب لديه الإكثار من حمده. وتقريره تعالى أن مع العسر يسرًا، وأن بعد الضيق فرجًا. فإذا حصل الفراغ من الجهاد والبلاغ والبلاء، فالخير كل الخير في التفرغ للعبادة والقيام والدعاء.

فقوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}. امتنان من اللَّه تعالى على نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال ابن جرير: ({أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} يا محمد، للهدى والإيمان بِاللَّه ومعرفة الحق {صَدْرَكَ} فنلين لك قلبك، ونجعله وعاءً للحكمة). وقال ابن كثير: (يعني أما شرحنا لك صدرك؟ أي نوّرناه وجعلناه فسيحًا رحيبًا واسعًا كقوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ}، وكما شرحَ اللَّه صدره كذلك جعَلَ شرْعَه فسيحًا واسعًا سمْحًا سهلًا لا حَرَجَ فيه ولا إِصْرَ ولا ضيق).

قلت: والشَّرْحُ في لغة العرب الكَشْف، تقول: شرحَ الغامضَ أي فسَّره، وشرحُ الصدر فتحه وتليينه، ومنه قول ابن عباس: ({أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}: ألم نُلين لك قلبك). والمراد: قد شرحنا صدرك يا محمد لقبول النبوة، وملأناه حكمًا وعلمًا، لتقوم بأعباء الوحي وبلاغ النبوة.

وقد أخرج الترمذي -في كتاب التفسير عند هذه الآية- بإسناد صحيح عن مالك بن صعصعة: [أنّ نبيَّ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "بَيْنَما أنا عند البَيْتِ بَيْنَ النائم واليَقْظانِ، إذ سَمِعْتُ قائلًا يقولُ: أَحَدٌ بَيْنَ الثلاثَةِ، فأتُيتُ بِطَسْتٍ من ذهب، فيها ماء زَمْزَمَ، فشُرحَ صَدْري إلى كذا كذا". قال قتادة: قلت لأنس ما يعني؟ قال: إلى أسفل بطني، قال: "فاسْتُخْرِجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>