قلبي فَغُسِل قلبي بماء زَمْزم، ثم أعيدَ مكانَهُ، ثم حُشِيَ إيمانًا وحِكْمةً"] (١).
ولا شك أن حدث شقّ صدره في طفولته -صلى اللَّه عليه وسلم- ثم ليلة الإسراء كما ذُكر في السيرة العطرة داخل في مفهوم هذه الآية، واللَّه تعالى أعلم.
وقوله تعالى:{وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ}. قال مجاهد:(ذَنْبَك). والوِزْر: الذنب. والمقصود: حططنا عنك ما سلف منك من زلل في الجاهلية. كما قال تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح: ٢]. قال النسفي:({وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ} وخففنا عنك أعباء النبوة والقيام بأمرها. وقيل هو زلة لا تعرف بعينها وهي ترك الأفضل مع إتيان الفاضل، والأنبياء يعاتبون بمثلها، ووضعه عنه أن غفر له. والوزر: الحمل الثقيل).
وقوله تعالى:{الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ}. أي الذي أثقل ظهرك. والإنقاض: الصوت. والمقصود: لو كان حملًا يحمل لسمع نقيض ظهره من ثقل حمله.
وقوله تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}. أي: في الدنيا والآخرة. قال مجاهد:(لا أُذكر إلا ذُكِرْتَ معي: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه). وقال قتادة:(رفع اللَّه ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة، إلا ينادي بها، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد أن محمدًا رسول اللَّه).
ورُوي عن الضحاك عن ابن عباس، قال:(يقول له لا ذُكِرتُ إلا ذُكِرتَ معي في الأذان، والإقامة والتشهد، ويوم الجمعة على المنابر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، ويوم عرفة، وعند الجِمار، وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح، وفي مشارق الأرض ومغاربها).
وقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. إخبار من اللَّه تعالى أن اليسر يعقب العسر، ثم أكّد ذلك أروع التأكيد. قال مجاهد:({إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}: يتبع اليسرُ العسرَ). وفي الأثر عن عبد اللَّه بن مسعود قال:(لو دخل العسر في حُجْر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه، لأن اللَّه يقول: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}). وفي رواية:(والذي نفسي بيده، لو كان العسر في حُجْر، لطلبه اليسر حتى يدخل عليه، ولن يغلب عسر يسرين).
(١) حديث صحيح. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٦٦٦) - كتاب التفسير - سورة {أَلَمْ نَشْرَحْ}. والحديث أصله في الصحيحين، وفيه قصة طويلة -ليلة الإسراء-.