في هذه الآيات: يخبر تعالى أنَّ الكفار من أهل الكتاب والمشركين لم يكونوا منتهين عَمَّا هم عليه من الكفر حتى تأتيهم حجة الوحي وبلاغ الرسل، فلما جاءهم الحق آمن بعضهم ومنع أكثرَهُم الكِبرُ، وقد كانوا أمروا أن يخلصوا الدين للَّه ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويستعدوا ليوم الحشر، وذلك هو الدين الكامل الذي ارتضاه اللَّه للبشر.
فقوله:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ}. قال ابن كثير:(أما أهل الكتاب فهم اليهود والنصارى، والمشركون عَبَدَةُ الأوثان والنيران من العرب والعَجم).
وقوله:{مُنْفَكِّينَ}. أي: منتهين ومنفصلين عن الكفر. قال مجاهد:(لم يكونوا لينتهوا حتى يتبين لهم الحق). وقال قتادة:({مُنْفَكِّينَ} قال: منتهين عما هم فيه). وقال البخاري:({مُنْفَكِّينَ}: زائلين).
وقوله:{حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}. قال قتادة:(أي: هذا القرآن). قال النسفي:({حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} الحجة الواضحة، والمراد محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، يقول: لم يتركوا كفرهم حتى ببعث محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما بعث أسلم بعض وثبت على الكفر بعض).
وقوله:{رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ}. هو بدل من البينة، والمقصود محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقوله:{يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً}. أي: القرآن العظيم المكتتبُ في الملأ الأعلى في صحف مطهرة، أي: مصونة عن التحريف واللبس. كقوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥) كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: ١٣ - ١٦]. قال قتادة: ({رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ